نبذه عن الكتاب
يُعدُّ كتاب الطبقات الكبرى للراوي والمؤرخ محمد بن سعد ت (230هـ) من أقدم كُتب السيرة والتاريخ القائمة على السند والرواية، وكان أول ظهور لهذا الكتاب مطبوعاً بأجزائه الثمانية عام 1918م (1336هـ)، حينما قام ثمانية من المستشرقين بإخراج المخطوط إلى مطبوع للحصول على شهادة الدكتوراه لمعظمهم من جامعة لايدن الهولندية وهم: (بروكلمان، جوزيف، وهورفتس، وليبيرت، ومايسنر، وميتفوخ، وشواللي، وتسترستين)، وكان النقص الكبير في هذه الطبعة المشهورة بما يساوي ثلث الكتاب تقريباً، وهو ما دعا خمسة من الباحثين العرب المسلمين للعمل على إكمال هذا الناقص من مخطوط إلى مطبوع مُحقق، وذلك بتحقيق علمي حول الرواية والرواة والسند، وفيه كان حصول المحققين على رسائل الدكتوراه كذلك، وتحقيق هؤلاء يستحق أن يكون أنموذجاً للسابق من المطبوع بتحقيق علمي مماثل لللاحق، كما أن عموم كُتب التاريخ تحتاج إلى هذه المنهجية كذلك.
وهذا الكتاب هو واحد من جهود الباحثين المحققين لإكمال هذا السِفِر المهم والنفيس الذي يحتوي على (131) ترجمة من الصحابة، كما يحوي (350) رواية حديثية، وحوالي (600) راوٍ، وفي هذا الكتاب تم تحقيق أسانيد الرواة والروايات وتخريجها، والكتاب بقسميه الأول (الدراسة) والثاني (التحقيق) تضمن كغيره من جهود الباحثين المحققين كشف أبرز الفوارق بين منهج المستشرقين الذين تعلموا العربية ونقلوا الطبقات من مخطوط إلى مطبوع فقط بأخطاء كثيرة في النصوص، وبين التحقيق العلمي بأصوله ومناهجه البحثية العلمية، إضافةً إلى ما في هذا الكتاب من فصل معني بالاستشراق والمستشرقين ومدارسهم المتنوعة، وجهودهم المختلفة بأهدافهم المتعددة، وعن بعض أدوارهم مع التراث الإسلامي، ودور هذا (الاستشراق الغربي) في ميلاد ما يُسمى "الاستغراب".
تعريف بالكتاب
يُعد كتاب الطبقات لابن سعد من أبرز كتب السيرة والتاريخ الإسلامي إلى زمن وفاة المؤلف 231هـ، وأهميته تتأكد بمنهجيته العلمية القائمة على أن كل ما فيه ورد بالسند والرواية، وهو من المخطوطات العربية التي كان أول انتقال له من مخطوط إلى مطبوع على يد ثمانية من المستشرقين الألمان الذين تعلموا العربية وحصل كثيرٍ منهم على شهادة الدكتوراه بهذا الجهد والنقل العلمي على مدى 14 عاماً، وكانت بدايات عملهم من عام 1904م حتى عام 1918م بإشراف أساتذة وجهات وجامعات غربية من أبرزها جامعة (ليدن) بهولندا.
ولكن النسخة التي اعتمدوا عليها كانت ناقصة، وهو ما دعا مجموعة من الباحثين العرب إلى العمل والبحث والتقصي عن الناقص حتى وجدوا النقص، فعمل خمسة من الباحثين عليها للحصول على شهادة الدكتوراه بجامعات أخرى سعودية وبريطانية لإكمال الناقص ليكون كتاب الطبقات مكتملاً كما رواه مؤلفه ابن سعد.
وهذه الجهود السابقة واللاحقة هي ما يتطلب (مشروعاً مفتوحاً) لإعادة طباعة المطبوع من أعمال المستشرقين لكن بتحقيق علمي صحيح، مع طباعة ما تم تحقيقه من العرب المسلمين، وهو الذي تم وفق الأصول العلمية للتحقيق، وكان أحد هؤلاء الباحثين الخمسة المتأخرين الباحث محمد بن عبدالله السلومي الذي عمل شهادة الماجستير والدكتوراه حول دراسة عن ابن سعد ومخطوطته، ثم حول تحقيق هذه الطبقة من الصحابة وفق التحقيق العلمي لمن سبقه من الباحثين المسلمين وذلك في جامعة ويلز ببريطانيا، ويصف الدكتور زياد منصور أحد محققي الطبقات عن الفرق بين تحقيق الغربيين السابقين وجهود المسلمين المتأخرين مع تراثهم، بقوله عن الغربيين: «وهم بهذا أول من بادر إلى نشره، غير أنهم لم يعطوا المؤلف حقه في الترجمة، ولا الكتاب حقه في التحقيق، وعلى هذه الصورة طُبع الكتاب في "ليدن" ولكن يبقى لهم فضل السبق في نشره على ضخامة حجمه».
ويقول المحقق الدكتور محمد السلومي في الجزء الخاص الذي قام بتحقيقه لجامعة ويلز وراجعه وزاد عليه بطبعته العربية، ثم نشره بكتاب مُطوَّر عن الرسالة العلمية: «وباكتمال طبعة الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة وإكمال نقص الثانية من طبقات الصحابة يتم استيفاء نقص تراجم الصحابة في كتاب "الطبقات" الكبير، وكان لي شرف المشاركة في تحقيق هذه الطبقة، وقد أكسبتني هذه الرسالة العلمية علماً ومعرفة إضافية لا مثيل لها حول أصول التحقيق العلمي، بل إنها كانت بوابة للبحث العلمي الجاد وفق أصوله المُضْنية، وهي الرسالة التي فتحت الطريق للباحث لما سواها من أبحاث ودراسات تاريخية وفكرية وسياسية فيما بعد ذلك فلله الحمد والشكر وحده».
لا توجد تعليقات