ورقة ((علمية وثائقية)) تكشف أهمية استقلال الأوقاف العامة عن مؤسسات القطاع الحكومي بهيئة أهلية مستقلة، وهذه الورقة العلمية قُدِّمت في #ملتقى-الأوقاف-الثاني، برعاية (لجنة الأوقاف بالغرفة التجارية بالرياض بتاريخ: 3 ، 4/ محرم 1435هـ) ووُصفت من بعض القراء وحضور الملتقى بأنها صريحة وواضحة لإصلاح واقع الأوقاف الإداري والاقتصادي، وهي بعنوان: ((أبرز المعوقات: جناية الأنظمة (البيروقراطية الحكومية) على الأوقاف)). وفيها مقتطفات تاريخية ونماذج من استقلال الأوقاف عن الخلفاء والولاة والسلاطين.
وتكشف الورقة العلمية في هذا الموضوع عن التحولات التاريخية للمؤسسة الوقفية في العالم العربي من مصدر حضارة وتقدم للأمة الإسلامية إلى مؤسسة عقيمة لا تحقق تنمية مستدامة للمجتمع والدولة على حدٍ سواء.
والباحث بهذه الورقة الدكتور/ محمد بن عبدالله السلومي يفتح النقاش الجاد والمحايد عن الآليات العملية التي تحقق للوقف قيمته ومكانته وثمراته، لا سيما أن الإعداد لهذا الملتقى يتزامن مع دراسة مجلس الشورى لنظام (الهيئة العامة للأوقاف) في ظل أوضاع إدارية تتطلب الإصلاح للاستفادة من الجوانب الإيجابية من واقع التاريخ الإسلامي ومن النجاح الإداري الباهر للأوقاف في تجربته الغربية المعاصرة.
ومما قال فيها: “لقد وصل الأمر بمحاولات تطبيع الترسيم للأوقاف أن التسويق للأوقاف العلمية أصبح مقصوراً على الجامعات الحكومية بدعوى الاستفادة من تجربة الجامعات الأمريكية ومؤسساتها المانحة مثل: مؤسسة فورد، ومؤسسة روكفلر، ومؤسسة كارينجي، ومؤسسة كيلوك، ومؤسسة جونسون، ومؤسسة مارك آرثر. وجامعة هارفارد، وجامعة ديوك.. وغيرها من الجامعات.
علماً أن هذه المحاولات والدعوات تتنافى مع واقع الجامعات الأمريكية، فسياسة الوقف والإيقاف في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها إنما هو على الجامعات (غير الحكومية) و(غير الربحية) وهو ما يُسمى القطاع الثالث بهدف دعم هذا القطاع المستقل بمنظومته المتكاملة في منافسته لجامعات القطاع العام والخاص، ودعم استقلاله العلمي والمعرفي واستقلال أوقافه، وبالتالي قوة أبحاثه ودراساته في خدمة الوطن -أي وطن-، وهذه الاستقلالية انعكست على تفاعل المجتمع الغربي والأمريكي بشكل خاص لاسيما من أصحاب الثراء لوقف معظم ما يملكون من أسهم وشركات وأموال وعقارات”.
كما قال الباحث: عن (الجناية الإدارية الحكومية) بحق الأوقاف في بلادنا الإسلامية من خلال واقعها المعاصر حيث عدم وجود مخرجات تنموية للأوقاف، بل ولا شراكة تنموية لها في التعليم أو الصحة أو أي مشاريع خدمية، أن الأوقاف في أحسن أحوالها تحولت من وسيلة لتقديم الخدمة والمنافع العامة إلى استثمار، ووُجد مع نمط الاقتصاد الليبرالي الرأسمالي نَهَم الاستثمار والتنمية لكامل الوقف ذاته على حساب نفعه وثمراته.
لقد سيطر نموذج الاقتصاد الغربي على بعض المؤسسات الحكومية (وزارات الأوقاف أو هيئات الأوقاف الحكومية) لتنعكس ثمرات الوقف بمخرجات نقدية (رقمية) فقط، وأحياناً تكون تلك المخرجات النقدية مرتفعة تتفاخر بها تلك الوزارات ومسؤوليها على حساب مخرجاتها التنموية والخدمية، مع العلم أن نهاية مطاف تلك الاستثمارات النقدية (الرقمية) في واقع الأمر هو دعم الأرصدة النقدية للبنوك المركزية للحكومات مثل (مؤسسة النقد).
وبالتالي تَحوُّل تلك الأرصدة إلى فتح شهية الأجنبي ليتم استثمارها أجنبياً، وهي بهذا الواقع مُسهم في تعزيز الاقتصاد العالمي أو الاقتصاد الغربي والأمريكي بشكل خاص، كما هو الواقع المُعلَن خاصة لدى دول الخليج العربي التي تستثمر معظم سيولتها النقدية -مع الأسف- بما فيها أموال الأوقاف كسيولة نقدية مُدمَجة فيما يُسمى بـ(الصناديق السيادية) وغيرها.
وفي كثير من الأحوال يتم استثمار السيولة النقدية في سندات الخزانة الأمريكية بفوائد (ربوية) لا تتجاوز في غالب أحوالها نسبة 3% وهذا مالا يساوي حجم التضخم الاقتصادي السنوي العالمي، عدا عن حالات عدم ضمان استرداد تلك الأصول في حالات الإفلاس الاقتصادي العالمي المتكرر وقوعه، علماً أن توطين (وقف أموال المسلمين) على مصالح الأمة أولى في حفظ سيولتها النقدية واستثماراتها داخلياً كما فعل معظم الخلفاء والولاة في عصور الدول الإسلامية المتعاقبة عبر التاريخ.
ويختم مُقدِّم الورقة بعرض لأبرز آليات التغلب على هذا العائق -حسب رؤيته- من خلال كتابة أبرز التوصيات التي تنهض بهذه المؤسسة الوقفية لتكون مؤسسة تمويلية تنموية شاملة، ومن ذلك العمل على الاستفادة من التطبيقات الإدارية الحديثة المتعلقة بخصخصة المشاريع والخدمات بتطبيق مفاهيم الخصخصة على الأوقاف بما يحقق شرط الواقف ومرجعية القضاء واستقلال الأوقاف، مستعيناً الباحث بما كتبه خبير الأوقاف والقطاع التطوعي الشيخ صالح الحصيِّن -رحمه الله-.
وفي الختام.. فإن على الأمة الإسلامية بعلمائها ومثقفيها وعامتها وخاصتها بما في ذلك بلاد الحرمين -المملكة العربية السعودية- أن تتنادى لتصحيح واقع الأوقاف من بيروقراطية الإدارات الرسمية عليها وجنايتها بحقها لتعيد للوقف استقلاليته ومكانته وقيمته وفاعليته وتفاعل المجتمع معه في عصر يجب الاعداد فيه لبدائل اقتصادية (لجيل ما بعد النفط) حيث يتم حالياً استنزافه بكميات هائلة غير معقولة مما يهدد بنضوبه.
وما سبق وغيره يستوجب النقاش الجاد والمحايد عن هذه القضية التي تستوجب الإصلاح.
انظر عن الموضوع كاملاً الرابط التالي:
لا توجد تعليقات