((السلومي لـ”تواصل”: اتهام العمل الخيري السعودي بأنه مُؤدلَج ليس تهمة بل شرف لبلاد الحرمين))!!!
تواصل – سامي الثبيتي
المصدر: صحيفة تواصل الإلكترونية، بتاريخ 17 ذو الحجة 1437هـ (18 سبتمبر 2016م)، الرابط التالي: https://twitter.com/twasulnews/status/777562380070973440
- ·النموذج الأمريكي من النماذج القوية الناجحة في أدوار القطاع الثالث.
- ·اقتصار العمل الخيري على التفاعل الطارئ مع الكوارث دون عمل مؤسسي فهم خاطئ.
- ·غياب ثقافة العمل الخيري والتطوعي نتيجة لتهميش الأعمال التطوعية والخيرية بمؤسساتها وجمعياتها.
- ·الخطورة تتأكد من خلال غياب الاستراتيجيات المنظمة للعمل الخيري بهيئات عليا أهلية مستقلة.
- ·القطاع الخيري في الإسلام من أبرز مصادر تعزيز القيم الأخلاقية عبر تاريخ الحضارة الإسلامية.
- ·مستجدات كوارث العالم العربي والإسلامي وتحولاته وصراعاته تتطلب عشرات المؤسسات المعنية بالخارج.
أكد الدكتور محمد بن عبدالله السلومي، عضو مجلس إدارة المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد)، وعضو مجلس إدارة الصندوق الخيري الوطني (سابقاً)، وعضو مجلس نظارة وقف الملك عبدالعزيز للعين العزيزية (سابقاً)، لـ«تواصل»، أن اتهام العمل الخيري السعودي بأنه مُؤدلَج ليس تهمة بل شرف لبلاد الحرمين، وكشف عن أن اقتصار العمل الخيري على التفاعل الطارئ مع الكوارث الطبيعية والمجاعات والسيول والأزمات، دون عمل مؤسسي وبرامج استراتيجية دائمة إنما هو فهم خاطئ، مبيناً أن غياب ثقافة العمل الخيري والتطوعي جاء نتيجة لتهميش الأعمال التطوعية والخيرية بمؤسساتها وجمعياتها، مشيراً إلى أن باكستان وإندونيسيا نجحتا إلى حد كبير في معايير تطبيقات القطاع الثالث العالمية.
جاء ذلك في حوار أجرته الصحيفة مع الدكتور محمد بن عبدالله السلومي لاستكشاف طبيعة وأهمية مفاهيم القطاع الثالث، وفيما يلي نص الحوار:
1 – تتحدث دائماً عن “القطاع الثالث”.. فما هو هذا القطاع وما أهميته وما أبرز نماذجه؟
القطاع الثالث (3rd sector) يُطلق على جميع المنظمات والمؤسسات والجمعيات والأنشطة الأهلية والخيرية والمدنية والحقوقية والنقابية غير الحكومية وغير الربحية.
والقطاع الثالث يُعدُّ مكمِّلاً لمهام ومسؤوليات القطاع العام الحكومي (الأول)، ومتكاملاً مع القطاع الخاص الربحي (الثاني) في جميع عمليات التنمية والتنمية المستدامة، خاصة في المجتمعات والدول المتقدمة في عصورها المتأخرة، والترتيب في القطاعات الثلاثة قائم على حجم الموارد البشرية والمالية العاملة وآثارها الفاعلة لكل قطاع، كما أن القطاع الثالث وفلسفته ودوره التنموي نشأ متأخراً تاريخياً بعد القطاعين الأول والثاني، وقد بدأ يتشكَّل هذا القطاع بقوة إدارية واقتصادية واعتبارية قوية في الغرب مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
ويُعتبر القطاع الثالث من أبرز عوامل نجاح الإدارة الحديثة للدول واستقراراها الأمني والسياسي، بحكم ما يوفِّره من الشراكة والمسؤولية المجتمعية مع الحكومة، وباعتبار ما يقدمه من خدمات إنسانية وعدالة اجتماعية. والحاجة ماسة إليه اليوم أكثر من أي فترة مضت!
ويُعدُّ النموذج الأمريكي من النماذج القوية الناجحة في أدوار هذا القطاع، بل يُعدُّ من النجاح المشهود للديمقراطية الأمريكية والاستقرار السياسي للدولة، وذلك بحكم حجمه الضخم وأرقامه المالية الكبيرة المنافسة للحجم المالي للقطاع التجاري، ودوره الإيجابي في كبح جماح التغول الاقتصادي الرأسمالي وآثاره، وذلك بحكم خدماته غير الربحية والواسعة في الوقت ذاته، وهو الوعاء الحقيقي لاستيعاب مخرجات القطاع الثاني التجاري بمؤسساته المانحة وتبرعاته.
2 – لماذا تقتصر مفاهيم العمل الخيري الإسلامي على التفاعل الطارئ مع الكوارث الطبيعية والمجاعات والسيول والأزمات.. دون عمل مؤسسي وبرامج استراتيجية دائمة؟
أوافقك على أن هذا الفهم خاطئ إلى درجة كبيرة، لكن هذا الفهم قد يكون مبرراً لأنه ناتج عن غياب ثقافة العمل الخيري والتطوعي الشاملة، وهذا الغياب نتيجة طبيعية لتهميش الأعمال التطوعية والخيرية بمؤسساتها وجمعياتها، فهي شيء ثانوي تحت مؤسسات القطاع الحكومي في معظم نُظم الدول العربية أو كلها، ولذلك فالخطورة تتأكد أكثر من خلال غياب الاستراتيجيات المنظمة لهذا العمل بهيئات عليا أهلية مستقلة عن القطاع الحكومي على غرار نظام المفوضية العليا البريطانية، بالرغم من أن تطبيقات القطاع الثالث المستقل في الغرب منافسةٌ للقطاعين في عمليات التنمية الشاملة والتنمية المستدامة.
كما أن التجربة الإندونيسية الناجحة في حرية هذا القطاع؛ وبالتالي إمكاناته في سدِّ نقص الموارد الاقتصادية للدولة تكشف بحق عن أهمية إعادة النظر في هيكلة موقع هذا القطاع بين قطاعات الدولة لدى وزارة الاقتصاد والتخطيط وخططها الاستراتيجية في وطننا السعودي، لا سيما في ظل العمل بسياسات تنموية جديدة، ومن ذلك (برنامج التحول الوطني) بغض النظر عما فيه من جوانب سلبية أو إيجابية، لكنه أصبح المعني بتحويل المسؤوليات المالية للدولة إلى القطاع الخاص، وإلى المواطنين للتخفيف عن كاهل الدولة، ومن الدولة الرعوية إلى الخصخصة الاقتصادية تحت وطأة ظروف اقتصادية محلية وعالمية تستوجب البحث عن بدائل مساندة لمسؤوليات القطاع الحكومي.
3 – هل ترى أن العمل الخيري الإسلامي هو لمعالجة مشكلة الفقر والفقراء المادية فقط أم أن هناك معالجات أخرى يجب أن يُلتَفت لها بمراكز متخصصة غير حكومية.. خاصة مشاكل: الفكر المتشدد والليبرالية المنحرفة وما يصحبها من الإلحاد وشق الثقافة الأم للوطن.. وغيرها من أفكار تشق الوحدة الفكرية للمجتمع؟
القطاع الخيري في الإسلام بتشريعاته الكبيرة المتنوعة وبمخرجاته المتعددة في مجالات التطوع والتبرع والوقف والزكاة والصدقات والكفَّارات من أبرز مصادر تعزيز القيم الأخلاقية عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، وتتضح آثار هذه المخرجات من خلال تطبيقات القطاع الخيري التاريخية عبر عصور الخلافة الإسلامية المتعاقبة، فقد كان هذا القطاع من أكبر مصادر تعزيز العلم والمعرفة وإثراء جميع صنوف الحضارة والمدنية – على سبيل المثال – كما أنه يُعدُّ من التنمية المستدامة في حياة المجتمعات الإسلامية الاجتماعية والثقافية من خلال الأوقاف، ولم تكن السلطة الإدارية الحكومية من الخلفاء والولاة والسلاطين دولة رعوية أو معنية بصنوف الحضارة وأوقافها بقدر ما هي معنية بالأمن الداخلي ومسؤولية الحماية الخارجية للدولة في غالب فترات التاريخ.
4 – إلى متى ستبقى المؤسسات الخيرية الإسلامية دائماً جهات متسولة تتوقف أعمالها بتوقف الدعم وتبرع رجال الأعمال؟
حينما نتجاوز بإرادتنا السياسية إلى مفاهيم القطاع الثالث وتطبيقاته كما هي الدول المتقدمة إدارياً، وحينما يكون الدعم المعنوي الحكومي باستقلالية القطاع مع تفاعل رجال المال والأعمال حقاً من حقوق هذا القطاع وليس منة؛ وبالتالي يكون هذا القطاع قطاعاً له موارده المالية الضخمة، وعلى رأسها الأوقاف العامة والخاصة، والتبرعات المنظمة والزكاة والمؤسسات المانحة بأوقافها وإمكاناتها، وفي كتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة – رؤية مستقبلية) المنشور ورقياً وإلكترونياً مجاناً ما يوضح أكثر عن هذا الموضوع.
5 – هل هناك مؤشرات إيجابية لمستقبل العمل الخيري في العالم الإسلامي؟
نعم، في الكتاب السابق ذكره في الفصل الخامس والسادس عن (الرؤية المستقبلية) ما يؤكد على المستقبل المشرق لهذا القطاع جرَّاء إرادة الشعوب القوية، حيث بُنيت الرؤية المستقبلية في الكتاب على الدراسات العلمية القائمة على المؤشرات والمعطيات، فكانت إيجابية بحق هذا القطاع، وقد فاقت على المؤشرات والمعطيات السلبية.
6 – ما هي مستجدات العمل الخيري السعودي الخارجي؟
لا أعرف أن هناك مستجدات سوى إغلاق فروع وهيئات رابطة العالم الإسلامي، ومكاتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وجديد آخر هو انكشاف حقيقة الضغوط الغربية والأمريكية بشكل خاص بأنها تهدف إلى الابتزاز السياسي والمالي للسعودية، إضافة لمحاولات تفريغ الأمة الإسلامية من مصادر قوتها، حيث التراحم والتعاون والتعاطف؛ مما يقوي العلاقات بين الشعوب والحكومات، وجديد ثالث هو الإعلان عن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وأنه المعني بالإغاثات السعودية والأعمال الخارجية، ومما يستوجب التنبيه أن مستجدات كوارث العالم العربي والإسلامي وتحولاته السياسية والصراعات الدموية تتطلب عشرات المراكز والمؤسسات المعنية بالخارج، مع أهمية اعتبار الاستفادة من إمكانات وقدرات جميع المؤسسات التي أُوقفت من ميادين العمل الإغاثي والخيري، وتوظيف خبراتها الطويلة في ساحات العمل الخارجية، والدول عالمياً تتعاطى مع هذا التنوع والتعدد والتخصصات الكثيرة في الإغاثات على أنه من (القوة الناعمة).
7 – يُتَّهم العمل السعودي بأنه مُؤدلَج وليس عملاً إنسانياً بحتاً.. ما تعليقكم على ذلك؟
في الحقيقة هذه ليست تهمة، بل شرف لبلاد الحرمين أن تمارس حقها السيادي في تسويق ثقافتها، كما هو حال الدول والمنظمات الغربية المتخصصة في التنصير والتعليم وغيرهما، وكما هي الحال بالنسبة للمنظمات الإيرانية، فالأدلجة حق سيادي للدول، وليس للسعودية فحسب، سيما أن الوطن السعودي تأسس وتوحَّد وقام وقاوم بعقيدته وأفكاره وثقافته، وكنتيجة منطقية فبلاد الحرمين خيارها التلازم بين التوءمين العقيدة والسياسة، والعطاء في الوقت ذاته بهذا الاتجاه عبادة لله يدفع الله به البلاء والكربات عن المجتمع والدولة.
وكما أن العطاء الحكومي السعودي غير المؤدلج اتضحت انعكاساته لأصحاب القرار السياسي كما هو في سوريا ولبنان واليمن وغيرها، فالمأمول إدراك مخاطر انكفاء المؤسسات الأهلية التطوعية وانحسار وجودها عن الشراكة في الساحات الدولية بمعالجة الفقر والإغاثة، والتبشير بالدين والثقافة حق من حقوق الدول، وغيابه جناية بحق المانح والممنوح من الدول.
8 – كثيراً ما كتبت في كتبك.. وتحدثت في محاضراتك ومقابلاتك عن إحصائيات خيالية عن هذا القطاع في الغرب! فهل هناك نماذج من تجارب ناجحة في العالم الإسلامي؟
نعم؛ هناك دولتان نجحتا إلى حد كبير في معايير تطبيقات القطاع الثالث العالمية، وهما دولة باكستان ودولة إندونيسيا، فحينما عملتا بهذه الفلسفة في استقلال هذا القطاع – على سبيل المثال – وظَّفت ما يفوق وظائف القطاع الحكومي أو ينافسه! كما هو واقع التجارب الغربية الناجحة في قوة هذا القطاع.
وجمعية واحدة في إندونيسيا – على سبيل المثال – تكشف عن الآثار الإيجابية لهذا القطاع ودوره التنموي والإداري والسياسي، فـ(جمعية المحمدية) التي تأسست منذ أكثر من مائة عام – كأنموذج – تملك (40) جامعة، و(151) من الكليات، كما أن لديها (457) مستشفى ومركزاً طبياً، و(318) دار أيتام، و(5381) مدرسة عامة ودينية ومعاهد أكاديمية وتقنية، و(6118) مسجداً، حسب تقارير الجمعية ذاتها في زيارة ميدانية لمقرها الرئيسي في جاكرتا قبل عامين.
والقطاع بهذا الحجم الكبير كما أنه مسهم في التنمية البشرية والاقتصادية وغيرهما، فهو مسهم كبير في الاستقرار السياسي للدولة – أية دولة – والاستفادة من هذه التجربة الناجحة من دولة إسلامية – وليست غربية – حافز على التحول من المفاهيم السابقة لهذا القطاع إلى مفاهيم حديثة وتطبيقات مساندة للقطاع الحكومي والقطاع التجاري.
لا توجد تعليقات