Skip to main content

مقابلة مع الدكتور محمد السلومي

أصبح العمل الخيري أو العمل التطوعي  أو الوقف – سمِّه ما شئت – قطاعا عملاقا على مستوى العالم، يحتل الترتيب الثالث بعد القطاعين العام والخاص، ولذا أصبح يسمى القطاع الثالث في الإدارة الحديثة. الدكتور محمد بن عبدالله السلومي رائد من رواد البحث في هذا القطاع ورئيس مجلس إدارة ” مركز القطاع الثالث ” قلَّب كثيرا في ملفات القطاع الخيري في العالم وفي بلدان المسلمين، وبحث واقعه ومستقبله وما يمكن أن يسهم به في المجتمعات الإسلامية وأصدر عددا من الكتب حول هذا الملف المهم، واعتبر “الوقف بمؤسساته المانحة المتنوعة ” قوة المسلمين الناعمة أمام العالم.

مجلة الأسرة التقت السلومي في حوار حرصنا على أن يكون عماده الأرقام والمعلومات والمؤشرات العلمية.

مجلة الأسرة: في كتبك تبشر بمستقبل زاهر للعالم الإسلامي في ظل معطيين الأول يتعلق بما يمكن أن يفعله القطاع الثالث، والثاني يتعلق بما يمكن أن نسميه  “موت الغرب ” أو تدهور مكانته المعنوية في العالم , لكن السؤال المهم هو: أن تراجع الغرب لا يبدو انه يتم لحساب العالم الإسلامي بل لحساب قوى أخرى صاعدة في العالم ( الصين – الهند – البرازيل  ) فهل القطاع الثالث عامل مساهم في تعزيز دور دول العالم الإسلامي؟

هناك مؤشرات ايجابية لمستقبل القطاع الثالث ودوره المرتقب في العالم الإسلامي  منها ما أشار إليه السفير الألماني المسلم مراد هوفمان عن صعود الإسلام ذاته بقوله: “إنّ أكثر من خمس سكان العالم يدينون – الآن – بالإسلام, وقد أصبح الإسلام مؤخرًا الدين الوحيد الذي يزداد انتشارًا في العالم, لذا فهو يشكل بديلًا جديًا للمجتمع الاستهلاكي الغربي”.

كما أن مؤشرات سقوط قيم الحضارة الغربية المادية ليست أمنيات, بقدر ما هي حقائق واقعية صادرة عن كتَّاب غربيين مرموقين, فكتاب: (التناقضات الثقافية) لمؤلفه (دانيال بل) أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة هارفارد  كشف مساوئ الحضارة الغربية وآلياتها المدمرة، أما كتاب (انتحار الغرب) الذي صدر في 2006م للكاتبين “ريتشارد كوتش وكرس سميث” فقد كشف أفول قيم الغرب وانتهاء عصر القوة الأخلاقية والمعنوية للغرب ,

ويقول باتريك جيه. بوكانن في  كتابه (موت الغرب) الصادر عام 2002م: “الغرب يموت، لقد توقفت أممه عن التكاثر وتوقف سكانه عن النمو وبدؤوا بالانكماش، ولم يقم منذ الموت الأسود الذي حصد أرواح ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر تهديدٌ أخطر لبقاء الحضارة الأوروبية من هذا الخطر الماثل اليوم، فهناك سبعة عشر بلدًا أوروبيًا جنازات الدفن فيها أكثر من احتفالات الولادة، وهناك أكفان أكثر من المهود، والكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، أي جميع ملل الإيمان المسيحي ممثلون في ]مسيرة موت الغرب المعنوي والأخلاقي[،… يبدو أن مبدأ اللذة الجديد غير قادر على إعطاء الناس سببا كافيا ليستمروا في الحياة، وثماره المبكرة تبدو سامة”. فهل ستبرهن هذه الحقائق عن الثقافة الغربية التي احتضنها بعض شباب الأمة الإسلامية بحماسة , على أنها عامل مسرطَنٌ أشد قتلًا وفتكاً من الحروب؟)

ومما يؤكد نقص المناعة الحضارية الغربية، وعدم ثقة الغرب بدينه ونفسه وثقافته كأسباب للبقاء والقوة، ما قرره الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) حينما قال: “العلمانية في العالم الإسلامي كلها لا تستطيع أن تغالب الإسلام. إن حقيقة أننا أقوى وأغنى دولة في التاريخ لا يكفي، العامل الحاسم هو قوة الأفكار العظيمة!!! … الأصولية الإسلامية إيمان قوي ودينية التوجه وليست دنيوية. أي أنها تخاطب الروح والجسد. ولا تستطيع القيم الغربية الدنيوية أن تنافس هذا الإيمان ولا حتى القيم الإسلامية الدنيوية”.

وتؤكد دراسة للسياسي الروسي شامل سلطانوف عضو البرلمان الروسي والخبير السياسي، بالأرقام والإحصاءات حال الغرب ومستقبله، حيث يتزايد الفراغ الاجتماعي وينقرض النسل، وتتهاوى الوثنية الغربية التي يسميها (الوثنية العالمية للحضارة الاستهلاكية) القائمة على الثورة الجنسية العظمى. كما يؤكد عملية التآكل في أعداد السكان الأصليين في الغرب، فمن بين 47 دولة أوروبية ليس هناك سوى دولة واحدة هي ألبانيا الإسلامية سجلت سنة 2000م معدل مواليد كافيًا للحفاظ على الأمة، أما باقي القارة الأوروبية؛ فهي في سبيلها إلى الانقراض، حيث سيتقلص عدد سكان أوروبا بأسرها بمقدار ثلثين في نهاية القرن الحالي!!.

لقد كثرت الكتابات الغربية في هذا الموضوع، بل شكَّلت شغلا شاغلا للغربيين، و كل ذلك يوفر فرصًا وواجبات أكثر لمنظمات ومؤسسات القطاع الثالث الإسلامي داخل الغرب وخارجه، لتقديم البديل وإنقاذ البشرية من الهاوية التي تقود إليها الحضارة الغربية، وما سبق ليس انتصاراً للعالم الإسلامي ودولة بقدر ما هو فرص للحكومات والشعوب على حد سواء.

مجلة الأسرة:منظمات القطاع الثالث الغربية تضع المصالح فوق المبادئ، ومن ثم فهي أحد وسائل الغرب الجديدة في التغلغل والنفوذ، فهل يمثل ذلك دافعا للمنظمات الأهلية الإسلامية لتقديم بديل أكثر نزاهة وإنسانية؟

بالفعل لقد تراجع معدل نزاهة كثير من المنظمات والهيئات الغربية التي تقدم برامج المعونات والإغاثات والمساعدات, وقد وصفهم الباحث البريطاني غراهام هانكوك في كتابه (سادة الفقر) أنهم الراقصون في الأزمات والسائحون في الكوارث، إضافة أن كثيراً من تلك المنظمات رَبَطَت علنًا تقديم برامجها الإغاثية بالتنازلات أو المواقف السياسية من الدول المستفيدة أو الممنوحة، وهذا ما ظهر واضحًا تجاه حصار الشعب الفلسطيني بعد فوز حركة حماس أوائل عام 2005م, حيث التجويع والحصار ومنع الماعون, حتى عملت بهذا الحصار معظم الدول الإسلامية المانحة، وكذلك تجاه لبنان , حيث ربطت المعونات والمساعدات الدولية بمقايضات سياسية , أثناء حرب إسرائيل صيف عام 2006م، وما بعدها, وما جرى مع حكومة السودان بتهديد انسحاب منظمات الإغاثة والعون الإنساني؛ إذا لم تقبل بتدخل القوات الدولية في دارفور في عام 2005م،. وهكذا؛ فقد تحولت أعمال كثير من المنظمات الإغاثية الإنسانية في الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص إلى تحقيق أهداف وبرامج تخدم الجانب السياسي والمصالح القومية، على حساب الجانب الإنساني. كما تحولت بعض المنظمات الإغاثية الغربية إلى طلائع استعمارية لتفقد يومًا بعد يوم مصداقيتها. و تأكد أن المعونات الإغاثية الغربية ليست لذات الإنسان وكرامته واحتياجه وحقوقه، بل مرتبطة بالمصالح السياسية أو الاقتصادية للدول المانحة.

كل المؤسسات الإنسانية الغربية تبدأ كاستجابة لمشكلات البشر ثم تنتهي معظمها كأدوات لتحقيق مصالح من أوجدها ومن بتمويله يضمن بقاءها.

ومن الواضح؛ أن هناك مؤشرات نقص وضعف واضحين في المعايير الأخلاقية للمنظمات الدولية الإغاثية والحقوقية الدولية في معظم الساحات العالمية خاصةً بعد ظهور الإسلام كمنافس حضاري.

إن تراجع كثير من المؤسسات الغربية ليس في قوتها المادية أو في نمو عددها أو الدعم الحكومي لها، ولكنه يكمن فيما هو أهم من ذلك, حيث أصبحت -بشكل واضح- تقدم المصالح السياسية على حساب القيم الإنسانية وذلك يؤكد أهمية ميلاد ودعم مؤسسات القطاع الثالث في العالم الإسلامي لتقدم للعالم أنموذجًا جديدًا قائمًا على مبادئ وقيم تفتقر إليها معظم المنظمات الدولية القائمة؟.

مجلة الأسرة: واقع الحال يشير إلى أن منظمات القطاع الثالث الغربية ما زالت سيدة الموقف سواء في الحضور العالمي أو في الترويج للثقافة الغربية.أليس كذلك؟

كثير من الناس قد ينخدعون أو ينهزمون أمام أرقام العطاء الأجنبي (غير الإسلامي) وهي أرقام مذهلة حقًا  تستحق التأمل في بعض جوانبها والإعجاب في جوانب أخرى. ولكن الأخذ بتشريعات العطاء الإسلامي، والعمل بإدارة تقوم على المبادئ الإدارية الحديثة, سوف يشكل قوة لا يستهان بها، فالعطاء الإسلامي تميز من حيث القيم، ومن حيث الأداء من خلال قوته وتأثيره النوعي لا الرقمي، ويكفي أن نقول: ” إن دوافع العطاء الإسلامي دوافع قوية؛ لأنها دينية 100%، وما يصحب ذلك من رقابة إيمانية ذاتية (الترغيب والترهيب) ودوافع (الثواب والعقاب) مما ينعكس إيجابيًا على حفظ الأمانات في مدخلاتها (الإيرادات والتبرعات) ومخرجاتها (النفقات) وفي قوة الآثار والتأثير، رغم ضعف الأرقام، وقد يكون هذا سببًا لردود الفعل من قبل بعض الدوائر الغربية التي تبنت الدعاوى والمزاعم الأمريكية حول دعم المؤسسات الخيرية الإسلامية للإرهاب.  لقد أدت قيم العطاء الإسلامي وأخلاقياته إلى تفوق مؤسسات القطاع الخيري الإسلامي عن غيرها في جوانب كثيرة حتى أصبحت منافسًا, باعتراف الباحث البريطاني (جوناثان بنثال), الذي أشار إلى أن المنظمات الإسلامية ونُظُمها لا تتمتع فقط بالانتشار الواسع في وسط الناس، ولكنها ” طورت برامج دولية مدعومة بشكل عالمي، يشكّل بديلًا يضاهي الغرب اليهودي والمسيحي”.

وتتأكد هذه القيم , حينما نلحظ؛ أن الإسلام يقدم عطاءه بلا حدود ولا قيود للمسلمين وغيرهم, وبقيم ومبادئ تفوق القيم الغربية بلا منٍ ولا أذى ولا مقايضة؛ كما يمارس الغرب اليوم عندما يقايض المساعدة, ومن ذلك الجنس مقابل الغذاء في أوساط المجتمعات الفقيرة كما أشارت إلى ذلك بعض تقارير الأمم المتحدة، وقيم الإسلام ثابتة حتى مع العدو المحارب “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” (الإنسان: 8), وتجاوزت قيم العطاء الإسلامي حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان كمبادئ وتطبيقات “وفي كل كبد رطبة أجر”, و”امرأة بغي دخلت الجنة بسبب سقيا كلب”( ) ، وأخرى: “دخلت النار بسبب حبسها هرة لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض!! . إن الحقوق في الإسلام ليست شعارات أو وسائل ضغط سياسية، كما تفعل مؤسسات الغرب وحكوماتها.

مجلة الأسرة: للعمل الخيري تجارب رائدة في تاريخ الحضارة الإسلامية سبقت بها العالم  فما ابرز ملامح تلك التجربة ؟

القطاع الخيري  كان القطاع الأول من حيث الموارد المالية والموارد البشرية التطوعية، ومن حيث تقديم الخدمات للأمة, كما أن مؤسسات القطاع الخيري المانحة (الأوقاف) باستقلاليتها وبإشراف القضاء عليها قوة فاعلة, وقد أكسبتها تلك المكانة الإدارية تعاطفًا شعبيًا وتفاعلًا وعطاءً, حتى تنافس الخلفاء والأمراء بالإقطاع الخيري (الأوقاف) لها من أملاك الدولة، وكانت تلك المؤسسة التمويلية في تركيا والحجاز والشام ومصر والجزائر والأندلس وغيرها مضرب الأمثال, حتى في مجالات الوقف على الجهاد والمجاهدين، وحماية الثغور الإسلامية كأمن خارجي للدولة الإسلامية.

وتكمن قوة العطاء الخيري في الإسلام في أنه لا يقوم على الأعطيات الكبرى فحسب، بقدر ما يقوم على تفعيل المشاركة العامة للقاعدة العريضة من المجتمع الإسلامي, وذلك في مجالي الموارد البشرية والمالية , كما قال تعالى عن البر وهو أساس العمل الخيري لكل مسلم ومسلمة: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” (المائدة: 2) .

وقال تعالى عن حقيقة البر وشموليته وأنه بأعمال الخير والإحسان: “لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” (البقرة: 177) .

ثم تحولت سلبًا معظم الشعوب الإسلامية خلال القرنيين الماضيين في تعاطيها مع الوقف؛ نظرًا لتحول إدارة الأوقاف الأهلية إلى مؤسسات تابعة للقطاع الحكومي، فالأوقاف في نظر الموقِفين ليست وظيفة حكومية تُسَيَّس أو يُعبث بها أو تصرف عن وظيفتها -كما هو الحال- في بعض بلدان العالم الإسلامي، وقد تلاشى الحماس في العطاء والوقف في دول أخرى لهذه الأسباب وغيرها . وتعدّ تجربة باكستان وإندونيسيا من التجارب الناجحة إلى حد كبير في هذا العصر في قوة هذا القطاع الخيري واستقلاليته , حيث الأوقاف والمساجد والمراكز والجمعيات والمؤسسات والمدارس والمعاهد والمكتبات والجامعات الخيرية، وكذلك شؤون التبرعات والمساعدات كلها تدار من قِبل لجان ومجالس أهلية. وقد تكون تلك القوة سببًا في الاستهداف في دعاوى ومزاعم الإرهاب على مؤسسات القطاع الخيري في هاتين الدولتين  .

وفيما كان نظام الوقف يتدهور في أكثر بلاد المسلمين كانت دول الغرب تأخذ به، إذ يوجد في المملكة المتحدة البريطانية، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول التي يسود فيها النظام القانوني الأنجلو سكسوني نظام يشبه الوقف يسمى[الترست]، وقد حرصت حكومات هذه البلدان على عدم التدخل في هذا النظام، واقتصرت على إيجاد نوع من الإدارة يهتم بالرقابة والمعاونة، وتجميع المعلومات، وتقديمها لذوي العلاقة وأبقت لهذا النظام خصوصيته وفرديته، وحذرت أن تتدخل في إدارته، مما اثر ايجابيا في  تطور هذا النظام، واتساع نطاقه، وقدرته على التحرك ومواجهة حاجات المجتمع المختلفة، والمتعددة والمتغيرة .

مجلة الأسرة: هناك توجه في بعض البلدان العربية الغنية بقصر الأعمال الخيرية على الداخل سواء لحاجة هذا الداخل، أو لتجنب ضغوطات خارجية، فكيف ترى العلاقة بين الداخل والخارج في مجالات عمل المؤسسات الخيرية الإسلامية ؟

بداية يجب التأكيد أن الإسلام تميز عن غيره؛ بأنه دين بلا حدود, ورسالة ورسول بلا حدود فهو هداية ورحمة لجميع العالمين، وقد دخل إلى قارات وأقطار عالمية دون غزوات أو جهاد، مثل شرق آسيا ووسط وغرب إفريقيا، وكما هو حال انتشار الإسلام في العصر الحاضر في أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرهما، فالإسلام والدول الإسلامية المتعاقبة عبر التاريخ سبقت الأمم الغربية المعاصرة التي استحدثت مؤسسات ومنظمات تعمل خارج حدود أوطانها، مثل “أطباء بلا حدود” أو “محامون بلا حدود”، وأهمية القطاع الثالث  الخارجية تكون في بعض الأحوال أكثر وأهم من الداخلية في بعض الجوانب لاعتبارات كثيرة منها:

• أن حجم وإمكانات وعدد الجمعيات الخيرية في داخل معظم الدول الإسلامية ودول الخليج بشكل خاص , أكبر وأكثر عشرات ومئات المرات من المؤسسات الخيرية المعنية في الخارج، وهذا ما تؤكده الإحصائيات الرسمية عن تلك الجمعيات وموازناتها.

• المؤسسات الخيرية المعنية في الخارج  لا تقل عن تلك المعنية بالداخل، اذ تشكل ذراعًا خارجيًا لدولها وتكسبه قوة سياسية

• العمل الخيري الإسلامي بطبيعته ليس مسيَّسًا ؛ لأنه ليس له حدود جغرافية وسياسية، فهو استجابة للدوافع الدينية “إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” (الإنسان:9 ،10) . وعملا بالقيم الإنسانية في الوقوف مع الفقراء والمحتاجين أيًا كانت مواقعهم الجغرافية.

• يتفاوت المحسنون في رغبة العطاء فجزء كبير لا يستهان به منهم يرى إنفاق زكاته وتبرعاته وصدقاته خارج بلاده لقناعات واعتبارات مهمة عنده، قد يكون بعضها مرتبطاً بالمفهوم الحقيقي لمعايير الفقر ونوع وقوة الحاجة.

• وتزداد المسؤولية على البلاد الإسلامية تجاه إخوانهم المسلمين , خاصة الأقليات الإسلامية بحكم أنهم يشكلون الغالبية العظمى لواقع الفقر والكوارث , إضافة إلى الروابط الدينية وتلبية دوافع القيم الإنسانية، وليست هذه المسؤولية نحو المسلمين نشازًا عالمياً، فالكاثوليك في أنحاء العالم – على سبيل المثال – يتطلعون إلى معونات الفاتيكان والمنظمات الكنسية الدولية.

وإذا كانت بعض المؤسسات الغربية الخيرية قد اتخذت اسمها من خلال أهدافها وأعمالها (أطباء بلا حدود) قبل العولمة وبعدها؛ فإن العمل الخيري الإسلامي في تشريعاته وتطبيقاته التاريخية إغاثة بلا حدود, ودعوة بلا حدود وتعليم وتدريب وعون ومساعدات، بل أمة كاملة بلا حدود , ولا قيود ..

مجلة الأسرة: كثيرا ما يؤخذ على المؤسسات الخيرية الإسلامية تكرار الجهد فيما بينها والتركيز على أنماط معينة من الأعمال كبناء المساجد، وتتجاهل أعمالا أخرى قد تكون أكثر إلحاحا، فكيف ترى مسألة أولويات العمل في هذا القطاع؟

ترتيب أولويات العطاء تُعَدُّ أمورًا نسبية تختلف من بلد إلى آخر من حيث المهم والأهم, فالمؤسسات الخيرية المانحة أو المكاتب الخيرية للشركات بأوقافها ومنحها المالية يجب أن تُسخر لخدمة العلم والتعليم والمعرفة والمعلومات والثقافة وبراءات الاختراع والبحوث والدراسات, والوقف على الوسائل الإعلامية المعاصرة وما شابه ذلك خلافاً لدور الجمعيات الذي يمارس دعم الأعمال التي قد يصدق فيها أنها تقليدية. ولذلك فإن معظم الشركات الاقتصادية الأمريكية كجهات مانحة للجمعيات أو الجهات الممنوحة تعتمد في منحها على دراسة الأولويات من خلال مكاتبها الخيرية الداخلية مثل شركة جنرال موتورز, وشركة الطيران (بوينغ), ومجموعة سيتي بنك, وشركة فورد التي تملك مؤسسة خيرية مانحة يعمل بها أكثر من 500 موظف, ولها مكاتب في عدة دول.

وهناك صور كثيرة لأوليات العطاء في الدعم غير التقليدي, ومن هذه الأولويات على سبيل المثال لا الحصر:

* العمل على إنشاء مراكز متخصصة بالمعلومات والتطوير والدراسات والاستشارات والأبحاث التي تخدم القطاع الثالث – بشكل خاص- لترشيده وتوجيهه.

*إنشاء المعاهد والجامعات والكليات المتخصصة ومراكز الثقافة المتنوعة في بقاع ومناطق شتى تفتقر إلى التعليم والتدريب.

* الإسهام الفعَّال في تبنِّي المؤتمرات والملتقيات المحلية والدولية، ولاسيما في مجالات إدارة العمل الخيري التطوعي الذي يقوم على الفعاليات المتنوعة, فالفعاليات هي الروح النابضة لتفعيل العمل الخيري.

* تبني برامج المنح الدراسية ولاسيما في مجال الدراسات الاجتماعية والإدارية والإعلامية والعلاقات العامة، وسد النقص في جوانب التنمية التعليمية والصحية والإعلامية لتتكامل مع مؤسسات القطاع الحكومي؛ لتقديم الخدمات السابقة الذكر، والعمل على إنشاء مؤسسات وشركات وفق النظام العالمي غير الربحي NPS .

* الإسهام في كل متطلبات سوق العمل الجديد بتحدياته الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية من تبني مكاتب ومراكز للعلماء والمفكرين في كل هذه المجالات .

• الاهتمام بدعم ومساندة مؤسسات القطاع الإسلامي للجاليات والأقليات المسلمة في العالم؛ حيث تتأكد أهمية الذراع الخارجي للدول العربية والإسلامية كمواقع عمل فاعلة لنشر ثقافتها ودينها في كافة أطراف العالم الإسلامي؛ مثل الجمهوريات الإسلامية وأوربا الشرقية ووسط وجنوب القارة الأفريقية إضافة إلى بعض الدول التي أصبحت تمد يدها للدول العربية والإسلامية مثل دول أمريكا الجنوبية .

مجلة الأسرة: العنوان الأبرز والطريق الأضمن للنهضة في عالمنا هو التعليم لما له من دور في حماية الهوية وفي تسخير مخرجات العلم في التنمية الشاملة، فكيف ترى دور القطاع الخيري في بلدان المسلمين في دعم ومساندة تحقيق نهضة تعليمية ؟

المناهج التعليمية الوطنية بصناعتها المحلية خير مساعد على تثبيت الهويات الوطنية التي تحافظ بدورها على الفكرة الرئيسية للدولة، فانتماء وقوة التعليم المحلي وانتماء الإعلام للوطن وارتباطهما بدستور الدولة – أية دولة- أمر بالغ الأهمية ولاسيما في عصر تزاحمت فيه الثقافات. كما أن التعليم الديني المستقل عن التعليم الحكومي – كما في الولايات المتحدة الأمريكية – له أهمية خاصة, فالمؤسسات التعليمية التابعة للقطاع الثالث خير مساعد للمجتمعات الإسلامية، وهي وقاية وعلاج, وباستقلال هذا النوع من التعليم تتجنب الحكومات العربية والإسلامية الضغوط السياسية الأجنبية, مما يتطلب دعم هذا التعليم بكل أنواع الدعم كمدارس وجامعات، ومراكز أبحاث ودراسات. كل ذلك يمنح فرصًا أقوى وأكثر لنهضة الأمة الإسلامية ولتحقيق سيادة الدولة والوقوف أمام التحديات الخارجية, بل إن ذلك النوع من التعليم يوجد فرصًا للمناورات، لأن هذا القطاع غير محسوب على الحكومة سواء كان إعلاميًا أو تعليميًا أو غير ذلك.

إن أخطار التعليم المحلي باللغات الأجنبية كلغة أساسية, أو التعليم بالمناهج الأجنبية بكل مراحله داخل دول العالم الإسلامي يشكل الخطوة الأولى للرِّق الثقافي, ويكفي للاستدلال عن هذا الخطر لدى الأمم التي تريد الحفاظ على خصوصياتها الثقافية ما نراه من تضييق، وحملات تشويه، وإغلاق للأكاديميات والجمعيات والمنظمات الإسلامية داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أوربا – وذلك على سبيل المثال – خوفًا على منافسة ثقافاتهم وسياساتهم التعليمية من أخطار التعددية الثقافية المنافسة، بالرغم من ضعف إمكانيات الثقافة الإسلامية، مقابل إمكانيات الغرب السياسية والإعلامية والاقتصادية.

إن ارتباط التعليم بجوانب الهوية المتعلقة باللغة والدين والتاريخ يُعد من أهم  الركائز الأساسية في تقوية الهويات الوطنية، وهذا العنصر عامل مهم لتجاوز معظم مشكلات التخلف العلمية, والأمم كل الأمم تقدِّر العملية التعليمية, وتُعدُّ نفسها معرضة للخطر في حال ضعفها – فكيف بتجاهل عوامل القوة في المناهج كاللغة والدين؟ لقد أعطى التقرير الأمريكي الشهير التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان “أمة في خطر” أنه لو قامت قوة معادية بفرض نظام تعليمي متدني الأداء لكان ذلك مدعاةً لإعلان الحرب عليها!!!.

مجلة الأسرة: أين دور الحكومات في ميلاد وتشجيع القطاع الثالث الذي تدعو له وتبشر به ؟

القطاع الثالث يكتسب قوته من حريته بعيدًا عن النظم، والبيروقراطية الحكومية، فاستقلاله عن مؤسسات القطاع الحكومي والأحزاب أو الجماعات السياسية في أية دولة يُقَوِّي تفاعل المحسنين معه، كما أن تحرك هذا القطاع بشكل مستقل في المسؤوليات والتبعات يُعدُّ عامل قوة له وللدولة, فاستقلاله يمنحه حرية الحركة في الداخل وقوة النفوذ في الخارج, وقوة هذا القطاع عالميًا ناتج عن تميزه بخاصية استقلاله, كما أن ضعف هذا القطاع   -كذراع خارجي- في العالم العربي ناتج عن ارتباطه إداريًا بمؤسسات القطاع الحكومي.

ارتباط القطاع الثالث بالقطاع الحكومي بغير الإشراف والرقابة يُعدُّ في أعراف وقوانين الدول الغربية من الجوانب السلبية, وعلى هذا نصت نظم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى, وهذا لا يتعارض مع الدعم المالي الحكومي لهذا القطاع المهم من خلال تخصيص ميزانيات قوية, إضافةً إلى دعمه بحقوقه المادية الأخرى؛ بأن تُخصص له موارد الزكاة, وتكون له حقوق إدارة واستثمار الأوقاف, مع العمل بقوة على ميلاد الشركات “غير الربحية” في مجالات التعليم والإعلام والصحة والخدمات الاجتماعية, ومراكز الأبحاث والدراسات وغير ذلك مما سبق ذكره, ومن دعمه أن يُعطِي هذا القطاع حق تحصيل الغرامات والجزاءات؛ كما تفعل بعض الدول مثل دولة الكيان الإسرائيلي, وعند تحقيق هذه الحقوق للقطاع الثالث تكون الواجبات عليه ملزمة له. وبما أن هذا القطاع يعد سفيرًا بلا سفارة للدول ؛ فإن الاستفادة من قوة هذا القطاع في الشراكة مع المنظمات العالمية في النظام العالمي يصب في القوة السياسية والسيادية للدول, كما تعمل بذلك دول أوربا وأمريكا الشمالية .

مجلة الأسرة: تتأثر اقتصاديات البلدان الإسلامية الغنية سلباً بأزمات الاقتصاد العالمي القائم على الليبرالية الرأسمالية التي تكدس الثروات وتقدسها، والتي تزيد من معدلات الفقر من جهة أخرى. كيف يمكن لمؤسسات القطاع الثالث أن تحمي البلدان الإسلامية من هذا التأثير السلبي ؟

الاقتصاد العالمي يسحق بشركاته السوداء الاقتصاديات المحلية و مشاريع الإنتاج المحلية الصغيرة، و يحوِّل الدورة الاقتصادية الوطنية إلى دورات خارجية تخدم متطلبات الاقتصاديات العالمية للدول الكبرى، ومن أهم جوانب تلافي تلك المخاطر العمل بالإمكانات والفرص الاقتصادية المحلية، وتأسيس مشاريع وطنية محلية تمتلكها وتديرها مؤسسات القطاع الثالث على نظام مؤسسات لا تهدف للربح (NPO) ومنظمات غير حكومية (NGO)، وذلك على هيئة جامعات ومدارس ومستشفيات ومؤسسات باستثماراتها المستقلة، وأوقافها القوية كموارد للتنمية المستدامة المستقلة، وفي ذلك وقاية وعلاج من أخطار تقلبات الاقتصاد العالمي وسيطرته. فالأمم الحية تؤمن: بأن القوة الحقيقية تكمن في تحويل الأخطار إلى فرص أو صناعة الفرص في الأخطار، ولكن بمبادرات سريعة وإرادة سياسية قوية .

هذا الواقع لليبرالية الاقتصادية العالمية الغازية يؤكد بقوة أهمية القطاع الثالث ووجوب استقلاليته عن البيروقراطية الحكومية المحلية وعن شعارات التنمية الدولية. كما يؤكد على صناعة استراتيجيات على مستوى الأخطار والتحديات، وقد تكون الأولوية للوقف على التعليم والدراسات والأبحاث والإعلام بصيغ تنموية استثمارية حديثة، مع العمل على الاستفادة من الأوقاف الموجودة وتنميتها وتطويرها، والعمل على إيجاد صيغ وقفية جديدة ضمن رؤية متكاملة.

مجلة الأسرة: هل أنت متفائل رغم كل المؤشرات السلبية حول العمل الخيري؟

أصبح واقع الأمة العربية والإسلامية يطرح نفسه بقوة ويؤكد أنها أمة تبحث عن طريق الخلاص، – قبل تحولات القوة للشعوب وبعدها- ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما البرنامج العملي الزمني لاستثمار الفرص الكثيرة، بعيدًا عن الإفراط في التفاؤل والتشاؤم؟ .. ولعل نقد الذات – دون جلدها – والعمل بتفاؤل على وضع الاستراتيجيات المتكاملة أهم من انتظار موت الآخرين, أو الاستسلام للتحديات الخارجية والعوائق الداخلية، إن الاحتياج العالمي وسد فراغه خاصة في ميادين الثقافة والقيم والأخلاق يدعو إلى كثير من التفاؤل حيث وجوب اقتحام الجدار الغربي في عصر نهاية الاحتكار، وهو متحقق – بمشيئة الله – بانتصار الحق والحقيقة، وانتصار المؤمنين خاصة أمام من وضعوا أنفسهم خصومًا للإسلام وأهله” وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (الأعراف من الآية: 128) , “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم, من الآية: 47) .

وقد ذكرت في كتابي -(القطاع الثالث والفرص السانحة – رؤية مستقبلية)- رؤيتين متضادتين، إحداهما متشائمة وفق معطيات علمية، والأخرى متفائلة وفق تسعة عشر (19) من المعطيات والمؤشرات العلمية التي تؤكد أن المستقبل الزاهر للقطاع الثالث رغم كل العوائق والتحديات. بل إن هذه الرؤية المتفائلة التي كُتِبَت قبل الثورات العربية أكدت حسب المعطيات والمؤشرات أن المستقبل للشعوب ومنظماتهم، وليس للحكومات وأحزابها السياسية. وأن مستقبل الشعوب واعد وضاغط، وذلك بعناوين وردت في الكتاب المذكور، ومنها: (ضعف مصداقية الحكومات، إخفاق التنمية الحكومية، قوة صاعدة برغم التحديات، نهاية الاحتكار، لمن القوة المستقبلية؟).

ومن المؤشرات الإيجابية؛ أن القطاع الخيري الإسلامي لا يقوم – فقط- على المؤسسات والجمعيات والتمويل المالي المنظم فحسب, فنشر العلم والمعرفة والتعليم عن بعد عن طريق وسائل الثقافة الحديثة أمر متاح لكل مسلم, وذلك ما يتجاوز بهذا العمل التحديات والعوائق، كما أن التطور المستمر لوسائل التقنية الحديثة تمنح وسائل غير تقليدية لكل العمليات المالية للمؤسسات والجمعيات والمانح والممنوح، كما تمنح التقنية بوسائلها المتنوعة فرصًا جديدة في التأثير المحلي والدولي كالتعليم والتدريب والمشاركة عن بعد .

مجلة الأسرة: هل ترى الفرصة سانحة للقطاع الثالث في العالم الإسلامي ؟

الخلاصة: أن الفرص سانحة ليؤدي المسلمون من خلال مؤسسات القطاع الثالث ما يصلحون به أحوالهم، ثم ليقدموا لغيرهم قيم السماء بديلًا عن قيم الأرض رحمة للعالمين أجمعين، فجاذبية قيم الإسلام عند الغرب أصبحت(القوة الناعمة) التي يسودوا بها العالم عن طوع واختيار، دون إكراه أو استعمار كما يفعل غيرهم، وهذه الفرص السانحة تدعو المسلمين جميعًا للعمل بإخلاص ومصداقية وبمبادرات فردية ومؤسسية على رفع نسبة الوعي بقوة الأفكار والقيم التي يمتلكونها، مع استثمارٍ أمثل للإمكانات المادية – وهي كبيرة – لسد احتياجات سوق الاحتياج العالمي في القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (يوسف:21)

إن اقتناص الفرص ليس – فقط – بسبب موت الغرب أو انتحاره، ولكن بإقبال الغرب والشرق على الإسلام واعتناقه، وهذه فرصة من فرص كثيرة, وما يمتلكه هذا الدين من رصيد الخيرية للبشرية عامة تُعدّ من أكبر الفرص، ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران )

إن الفرص السانحة تزداد وتتأكد لصالح المؤسسات الإسلامية، وهي ليست فرصًا لشن العدوان العسكري والسيطرة على مفاصل القارات العالمية ومصادر الطاقة، أو التحكم ببعض الدول من خلال تنصيب حكومات معينة كما يفعل الغرب وتساعده منظماته الإنسانية في ذلك ، ولكنها فرص من نوع آخر ومن أجل تقديم شيء آخر تتعطش إليه معظم مناطق العالم الآخر.

وإن العالم الإسلامي –سياسياً- ليس مؤهلًا في واقعه المعاصر لهذا، ولكن مؤسسات القطاع الثالث حينما تعمل بعوامل القوة من تبرع وتطوع وقيم وتشريعات، فإنها سوف تقدم الكثير على المستوى المحلي والدولي.

إن الإسلام  – كما يقول هوفمان – ليس طالب إحسان من الغرب، ولكنه مانح رئيس لكثير من القيم وأساليب الحياة..”، رصيد الفطرة معنا، فطرة الكون، وفطرة الإنسان، ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة أو العكس فلابد أن يكتب النصر للفطرة، قصر الصراع أم طال!! ولكن لابد من الارتفاع إلى مستوى هذا الدين في الإيمان والمعرفة والعبادة، ونرتفع إلى مستواه في إحاطتنا بثقافة عصرنا وحضارته؛ وممارسة هذه الثقافة وهذه الحضارة ممارسة اختبار واختيار.. فإننا لا نملك الحكم على ما ينبغي أن نأخذ منها وما ينبغي أن ندع، إلا إذا سيطرنا عليها بالمعرفة والخبرة. فمن المعرفة والخبرة نستمد سلطان الاختيار “.

مجلة الأسرة: مع هذا التفاؤل الكبير لمستقبل منظمات القطاع الثالث. ما هي الوسائل العملية لاستثمار هذا الواقع والمستقبل؟

إن التفاؤل بهذا الانتصار للإسلام وانتشار أتباعه؛ يترتب عليه وجوب وجود منظمات وشبكات إسلامية عالمية مستقلة تعمل بمبادرات منفردة أحياناً، وأحياناً أخرى حسب القواسم المشتركة مع المنظمات المستقلة بتحالفات دولية في كل جوانب الأعمال والبرامج المشتركة، فعالم اليوم مفتقر إلى حقوق المرأة، وحقوق الإنسان وكرامته بصورة تتجاوز المفهوم الغربي لهذه الحقوق، كما يفتقر إلى السلام العالمي المبني على العدل والحرية الممنوحة من السماء، ورفع الظلم عن المظلومين، وإغاثة الملهوفين، والضعفاء والمساكين، وقضايا البيئة والزراعة والأغذية، وقضايا المخدرات والتدخين وغيرها، إضافة إلى ضرورة نشر القيم الروحية للإسلام في عالم متعطش إليها -كما سبق بيانه-.

لا توجد تعليقات

بريدك الالكتروني لن يتم نشره


الاشتراك في

القائمة البريدية

اكتب بريدك الالكتروني واضغط اشتراك ليصلك كل جديد المركز

تصميم وتطوير SM4IT