Skip to main content

معالم قرآنية في كتابة التاريخ وقراءته

معالم قرآنية في كتابة التاريخ وقراءته

د. محمد بن عبدالله السلومي

باحث في التاريخ ودراسات القطاع الخيري والقطاع الثالث

اعتنى الإسلام بعلم التاريخ أو بفن التاريخ الذي هو كغيره من العلوم المعرفية التي تخضع للمنهج العلمي في القراءة أو الكتابة، فالقراءة في التاريخ يستحضر فيها المسلم التأمل والتفكر وأخذ الدروس والعبر، ويَستَبعدُ فيها جوانب التسلية والمتعة أو المعرفة المجردة فحسب، ولهذا كانت النقلة الكبيرة للعقل العربي بعد نزول القرآن من الآفاق الضيقة للتاريخ عن أحداث القبيلة والقبائل وبيئتها المحدودة بشعرائها وحكمائها وبيوتاتها ومحيطها إلى تاريخ البشرية الواسع بأنبيائها ورسلها ورسالاتها السماوية من خلال عرض القرآن الكريم لهذا التاريخ الممتد بعالميته وأمميته، وبأبعاده الدنيوية والأخروية، وذلك بأفق أوسع وأرحب زماناً ومكاناً.

ولهذا الاعتبار فالكتابة في تاريخ الأمم والمجتمعات والشعوب، وكذلك عن الأفراد والدول والبلدات تستوجب حضور هذا الأفق الواسع للتاريخ الطويل ومفاهيمه، وهو ما يتطلب الإلمام بأصول هذا الفن من العلوم الأخرى ذات العلاقة، وبالتالي فلابد أن تكون الكتابة التاريخية من متخصص متمكن بفروع المعرفة، أو ممن لديه المهارة والقدرة العلمية الكافية.

ومن منهج الإسلام في القراءة التاريخية أن تكون هذه القراءة للأحداث والأقوام للتفكر والاعتبار، وذلك لزيادة الإيمان من خلال المعرفة بأحوال الزمان والمكان والإنسان، ولهذا اشتمل القرآن وحوى كثيراً من قصص الأمم التي سادت ثم بادت وَفْقَ السنن الكونية، وتضمن القرآن الكثير من قصص الأنبياء وصراع الحق مع الباطل لحِكَمٍ عظيمة وكثيرة، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً﴾[طه:٩٩]، وكما قال جل وعلا: ﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾[هود:١٠٠]، كما أن القراءة التاريخية في القرآن تقول للمسلم عن سلطان الحكم والملك أنهما هبة من الله أكثر من كونهما جاءا بجهد بشري ومجهود ذاتي ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:26].

ومنهج القرآن في القراءات التاريخية للأمم والدول والامبراطوريات مهما كبرت وعلا شأنها في الأرض، فإنها لا تعدوا أن تكون قوى أرضية تحت حكم السماء، وجميع أعمالها وقواتها وصناعاتها تُعدُّ أدوات لنفاذ قضاء الله وقدره في الأرض، فهو مالك الأملاك المتصرف بالكون بقدرته سبحاته وتعالى، كما ورد في القرآن ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:189]، ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[المائدة:17]. ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96].

وعلى قارئ التاريخ وكاتبه أن يستحضر قوانين التاريخ وسنن الله الكونية التي سطَّرها القرآن حول الامهال والإملاء والاستدراج الإلهي لمن كفر بخالقه مهما كان، فتعملق القوة المادية وتطور الإمكانيات الصناعية بأيدي الكفار لا تخرج عن قول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾[الأعراف:182-183].

والقراءة الصحيحة للتاريخ وأحداثه في منهج القرآن تُوضح للمسلم مفاهيم النصر والهزيمة، حيث النصر يأتي من الله في أي قضية صراع بين الحق والباطل، وحيث النصر مرتبط بفعل الأسباب المشروطة كذلك، فلا نصر من الله دون نُصرة لدينه وشريعته من خلقه وعباده ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد:7]، ﴿ َمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[آل عمران:126]، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم:47]، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر:51].

«فالقصص القرآني عن الأمم السابقة والرسل المرسلين إليهم هو الذي يُبيِّن لنا مجرى التاريخ البشري منذ فجر البشرية الأول وحتى حاضرها ومستقبلها ونهاية تاريخها ومصيرها بعد الحياة الدنيا.. ومن خلال السنن الربانية في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – نفهم التاريخ، ونُفسِّر أحداثه، ونعرف عوامل البناء والأمن والاستقرار والبقاء، وعوامل الهدم والخوف والسقوط والتدمير؛ وأن هذه السنن مرتبطة بالأمر والنهي والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك؛ فإذا أتى الإنسان بالأمر واجتنب الـنـهـي ووقــف عـنـد حدود الله، أصاب خَيْر السنَّة الربانية… وإذا أَهْمَل الأمر وخالفه وارتكب المنهي عنه ووقع في حدود الله أصاب شرَّ السنة الربانية.. قــال تـعـالـى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾ [الرعد:11]، وقـــــال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾ [الأنفال:53]، وقال تعالى: ﴿أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:165]».[*]

وقد تميزت القراءة التاريخية في القرآن بأنها تلفت النظر إلى القيمة الحقيقية من الوجود الإنساني، وإلى حركة التاريخ وقراءته والكتابة فيه برؤية واضحة هادفة ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِمَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[يوسف:111]، والتأكيد على وجوب الاعتبار ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل:36]، ثم أن هذه القراءة تؤكد على أهمية صرف النظر إلى ما هو أبعد من الجانب الحضاري والعمراني والتفوق المادي! كما ورد في القرآن حول الحث على القراءة المُوجِّهة للأولويات في النظر والاعتبار ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الروم:9]. وقوله تعالى ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج:45]، وهذه الآيات وغيرها مما يوضح لقارئ التاريخ أو كاتبه الغرض من قصص القرآن، وأنها تتجاوز التسلية والمعرفة المجردة أو الافتخار والاستعلاء، كما تتجاوز آيات القرآن بقيمتها الكبيرة البعد الزماني والجغرافي للأحداث، فالتاريخ في الإسلام والقرآن أكبر من هذا كله.

ولهذا فالقصص التاريخي في القرآن يأخذ مساحات واسعة، بالرغم من أن القرآن ليس كتاب تاريخ كما هو معلوم، بل رسالة وموعظة ورحمة للعالمين وهداية للإنسانية بعقيدته وتشريعاته، وفيه تذكير للإنسان في كل زمان ومكان إلى أنه بمجتمعه وكل ما هو معاصر له من أمم ودول كَبُرت أو صَغُرت ما هي إلا حلقات وأجزاء يسيرة من سلسلة طويلة عن الحياة البشرية المتتابعة من الأفراد والأمم والقرى والبلدان.

بل إن تكرار القصص في القرآن ليس من أجل إدانة من سبق فحسب، وإنما المساحات الواسعة في الجانب التاريخي فيه جاءت للتفكر والحذر من كل الأسباب الموجبة للعقوبات الدنيوية والأخروية، وأن لا استثناءات لأحد ولا تًميُّز عن الآخرين يُغيِّر من السنن الكونية الثابتة ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف:99-101]. فالقرآن جاء ليُمزِّق التأليه للأمم والشعوب والقبائل والأفراد، وليُسقط هالات التمجيد والتعظيم والقداسة عن الحضارات والدول والحكومات، وَلِيَمنَع أن يُكتب التاريخ مصحوباً بخوارق الأمجاد والمثاليات والحياة الفاضلة! فهو تدوين وكتابة برؤية واقعية غير مثالية.

الجانب التاريخي في القرآن جاء ليضع الإنسان أيّاً كان في موضعه الصحيح، حيث هو ضمن الأسرة الإنسانية الواحدة عبر العصور والأزمان، والتفاضل بين البشرية لا يكون إلا بالتقوى كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات:13]، بل إن محمداً صلى الله عليه وسلم وهو محمد منقذ البشرية قال له المولى سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾[الكهف:110]، وحتى الجانب العمراني الحضاري الكبير للأمم كالأهرامات مثلاً بصناعتها البشرية الفريدة، بالرغم من كونها من عجائب الدنيا السبع فليس لذكرها في القرآن أهمية، أو أي قيمة مقابل الإيمان من عدمه كما هي آيات القرآن وقصصه عن موسى وفرعون، والإيمان والكفر، وعن الأمم مع الأنبياء والرسل ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾[الأنعام:6]، وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ﴾[الحجر:82].

فالهداية الإيمانية والاستقامة الأخلاقية وعكسها من الكفر والشرك والانحراف هي القيمة التاريخية الحقيقية التي يُنبِّه إليها القرآن ويُبرزها لقارئه ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف:59]، والمتأمل في هذه الآية وما شابهها من آيات كثيرة يدرك أن لا وجود في الرؤية التاريخية القرآنية لمشهد القرية أو البلدة أو الدولة أو الأمة الوادعة الآمنة التي دُمِّرت مثلاً بينما أهلها آمنون مؤمنين! فكل هذه القصص القرآنية جاءت لمعالجة الخلل وإصلاح الذات الإنسانية وتربية النفس خوفاً من الوقوع فيما نبَّه إليه القرآن ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:165].

ومن القيمة المثلى لقراءة التاريخ في القرآن الوقوف عند آيات سنن التحولات الكونية ليمنح الله البُشريات للمؤمنين وليكون التثبيت لهم كذلك ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين﴾ [القصص:5]، ومن ذلك سنن الاستخلاف في الأرض كما قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:55].

وعلى كاتب التاريخ ومدوِّن أحداثه أن يكتب التاريخ كما هو مجرداً من الميول والأهواء، ومنزوعةً منه العواطف والعداوات، وبعيداً عن تأثير الاتفاق أو الاختلاف مع نفسه أو غيره، ملتزماً بقوله تعالى ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[المائدة:8]، وعاملاً بقوله تعالى كذلك ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا﴾ [البقرة:282]، فالتاريخ حقوق للعباد والبلاد، كالحقوق المالية الصغيرة والكبيرة التي تستوجب الكتابة وتوجبها وربما بأكثر من ذلك.

ومن منهج الإسلام أن القرآن يُربي ويُعزِّز قيمة الصدق والعدل في القول والفعل، وكذلك في الحكم على من سبق، وذلك عند رواية التاريخ أو كتابته ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأنعام:152]. ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء:58]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة:42]، فالمنهج القرآني يمنح الحقوق الكاملة للإنسان والأقوام بتاريخهم الزماني والمكاني والاعتباري، وذلك بالتعاطي العادل مع قضايا التاريخ، فكما هي فريضة العدل والعدالة مع الأحياء فهي حق للأموات كذلك بالكتابة العادلة عنهم، ومنهج القرآن يلفت انتباه كاتب التاريخ وقارئه إلى وضع هذه العلامات والمعالم في طريقه لتمنحه النور والبصيرة في التعاطي مع التاريخ وأحداثه.

 

اضغط هنا لمشاهدة المقال pdf

 

_______________________________________________________________

المصدر: مجلة البيان، العدد 407، بتاريخ 1 رجب 1442هـ، الموافق (13 فبراير 2021م)، الرابط التالي:
https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=12388

[*] انظر: محمد بن صامل السلمي، مقال بعنوان: (كيف نفسر التاريخ؟)، مدونة د. محمد بن صامل السلمي، بتاريخ 17 أبريل 2016م، الرابط التالي:

https://bit.ly/33NZs84

 

لا توجد تعليقات

بريدك الالكتروني لن يتم نشره


الاشتراك في

القائمة البريدية

اكتب بريدك الالكتروني واضغط اشتراك ليصلك كل جديد المركز

تصميم وتطوير SM4IT