Skip to main content

26_رسالة عن عمل المرأة وبطالتها.. أمي مدرستي (2)

إن تدوين الوقفات الواردة في (الرسالة الأولى) بنفس العنوان جعلني أخرج بنتيجة منطقية وواقعية، مستخرجة من واقعٍ عملي في حياة والدتي –رحمها الله- وتلك النتيجة ترتبط بما يمكن اعتباره سبباً رئيساً لنجاح أمي كزوجة وأم وربة بيت، وهذا النجاح فرض علىَّ التساؤل الافتراضي التالي: هل ستحقق والدتي كل مخرجات النجاح التي انعكست على زوجها وأولادها ومنزلها وعطائها وانتاجيتها واستقرارها النفسي والعاطفي لو كانت موظفة خارج البيت؟ وهل سيكون عنصر النجاح العائلي هو سيد البيت الأسري لو كانت أمي أجيرة تعمل خارج المنزل؟ وحينما أقول عن عمل المرأة بأجر خارج المنزل فإن ذلك لا يعني عدم أهميته وفق الضوابط الشرعية، وأهم من ذلك في هذا المقام أن لا يكون هذا العمل خارج المنزل على حساب نجاح الحياة الزوجية وإنجاح حياة الزوج، أو على حساب تحقيق الجانب الفطري للمرأة والأسرة من الإنجاب والتربية، فنجاح البيت والأسرة واستقرارها وإنتاجيتها هو الهدف الأسمى للرجل والمرأة على حدٍ سواء، وهو ما يخدم المجتمعات والدول.

وحقاً إن العمل الوظيفي الفطري من حيث القيمة المعنوية للمرأة وللمجتمع، ومن حيث النتائج والأهمية لا يُقارن بعمل المرأة كأجيرة أياً كان نوع هذا العمل وفي أي قطاع، ولذلك فإن العمل بهدف ذات العمل أو بغرض الجاه والمال يُعد من الخلل بالوظائف الحقيقية لطرفي الأسرة (الزوج والزوجة).

ويتساءل الشيخ صالح الحصيِّن – رحمه الله – عن مسألة عمل المرأة داخل المنزل وخارجه قائلاً: “هل يوجد مبرر من الوضع العملي للإصرار على أن مساواة التماثل بين الرجل والمرأة اجتماعياً هو التصور السليم؟ هل يُظهر الواقع العملي أن المرأة والرجل كسبا بهذا التصور أم خسرا؟ هل صارت المرأة بتطبيق هذا التصور على أرض الواقع أقرب إلى الحياة الطيبة (السعادة) وأبعد عن المعيشة الضنك (الشقاء)؟ هل صار المجتمع بهذا التصور أكثر عدلاً، والوطن أكثر تقدماً؟”([2]).

ويورد الحصيِّن بعض المعلومات المُفيدة في الإجابة عن تلك التساؤلات قائلاً: “في دراسة نشرتها بروفسور ليندا هرشل الأمريكية في موقعها في21نوفمبر2005م (وهي رائدة في الحركة النسائية وأستاذة جامعية في مادة (feminism) ذكرت أن نصف النساء من الأفضل تعليمياً في الولايات المتحدة اخترن البقاء في البيت، وتربية أطفالهن بدلاً من الخروج إلى سوق العمل([3])”أهـ.

وواقع والدتي أنها كانت عاملةً في بيت الزوجية متفرغةً للتربية المنزلية.

وذلك ما دعاني إلى المقارنة بين واقع المرأة المحظية بكرامة قوامة الرجل عليها، وما فيها من مسؤوليات الرجل من حماية ونفقة ومسؤولية مادية ومعنوية تجاه المرأة والبيت، وبين واقع المرأة العاملة خارج المنزل بأجر وهما حالتان موجودتان على أرض الواقع، وقد وجدتُ أن كثيراً من قراءة الواقع والقراءات العلمية عن هذا الموضوع في بلادنا (بلاد الحرمين – السعودية)، بل وعند كل منصف في بلاد الغرب تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن النتيجة أن الحالتين مختلفتين من حيث النتائج على الأسرة والمجتمع، يقول الحصيِّن -رحمه الله- عن هذه القضية: “لو أخذنا بلاد مجلس التعاون الخليجي مثلاً، لما عزَّ علينا أن نلاحظ التغيير الساحق في حياة المرأة في فترة قصيرة من الزمن، لقد صار عادياً أن يكون طموح الطالبات في المؤسسات التعليمية: (الوظيفة)، أي العمل خارج المنزل بالأجر تحت قوامة رئيس ذكر أو أنثى، وذلك بالرغم من ضعف الدافع الذي يدفع المرأة عادة للعمل خارج المنزل وهو الدافع الاقتصادي، وقد تضاءل بصورة عالية لدى الفتيات وأهلهن تفضيل الزواج أثناء مدة الدراسة التي قد تمتد إلى العشرينات من العمر أو تتجاوزها، بل إنه يوشك أن يُمثل ظاهرة عزوف الفتيات عن فكرة الزواج بالكلية.

وربما يكون من تداعيات حرمان المرأة السعودية أو الخليجية نفسها من ممارسة وظائفها الطبيعية والتقليدية في إدارة مملكتها (البيت) ما يلاحظ من زيادة الاضطرابات النفسية لدى المرأة مثل الاكتئاب والتوتر النفسي وما يتبع ذلك من آثار مرضيه على الجسم([4])”أهـ .

**********

وحول المقارنة بين وظيفة المرأة ورسالتها في الحياة، وبين عمل المرأة كأجيرة خارج المنزل، فقد شاركت مريم عبدالحميد (أم عبدالله) وهى إحدى زوجات أولاد – المُترجَم لها- عن عنصر نجاح (خالتها-أم سليمان)، واكتفت بمشاركتها هذه بما يؤيد حقيقة نجاح المرأة العاملة بمنزلها -بشكل عام-، وذلك من خلال نقل بعض الأقوال الغربية ممن خاضوا التجربة بعمق دون التعليق على تلك الأقوال، مما يكشف بجلاء ووضوح حجم الفوارق بين عمل المرأة بوظيفتها المنزلية، وبين عملها كأجيرة خارج المنزل.

ومن تلك الأقوال والنقولات ما يلي :

“في أمريكا نتيجة إرهاق الأم خارج المنزل بالعمل دَخَلَ (5600) طفل أمريكي المستشفيات في عام واحد متأثرين بضرب أمهاتهم العاملات خارج المنزل، ونسبة منهم أصيبوا بعاهات([5])”.

“وفي أمريكا نتيجة عمل المرأة خارج المنزل فإن ما بين مليونين إلى أربعة ملايين طفل يتعرضون للاعتداء في الولايات المتحدة، ويُقتل آلاف الأطفال بأيدي آبائهم وأمهاتهم، ويُبعد عشرات الآلاف من الأطفال عن أسرهم إلى دور الرعاية سنوياً([6])”.

“ومن الجرائم التي يتعرض لها الأطفال نتيجة اشتغال أمهاتهم، اختطاف الأطفال وسرقتهم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ عدد الأطفال المفقودين كل سنة حوالي 1.8مليون طفل بين 90% و95% منهم أطفال هاربون من بيوتهم تم اختطافهم من قبل آبائهم أو أمهاتهم بسبب نزاع بينهم حول أحقية أي منهم في التربية بعد الطلاق، وقد ذكر الأستاذ مختار خليل المسلاتي وهو الذي عاش في أمريكا منذ عام 1975م – 1985م، في كتابه (أمريكا كما رأيتها) حول هذه الجريمة، أخباراً فظيعة([7])”.

 يقول جول سيمون: “المرأة التي تشتغل خارج بيتها تؤدي عمل عاملٍ بسيط، ولكنها لا تؤدي عمل امرأة! فما فائدة مزاحمتها للرجل في عمله، وتركها عملها ليس له من يقوم به؟ ([8])”.

“أجرى البريطانيون استطلاعاً هاماً للرأي حول المرأة بين البيت والمجتمع، وجاءت النتائج مثيرة لدهشة عارمة -لكل الأوساط عندهم-؛ فقد أجمع 76% من الجنسين على أن الأم التي لديها أطفال أعمارهم دون الخامسة، مكانها البيت، وأن الأب هو المكلف وحده بتحصيل الرزق، وأضاف 17% أن على الأم أن تعمل بعض الوقت فقط للمساعدة في إعالة الأسرة، بشرط ألا يكون في عملها تعارض مع تربيتها ورعايتها لأبنائها الذين هم عماد المستقبل، المفاجأة الأكبر تمثلت في رأي 86% ممن استطلع رأيهم من الشعب البريطاني؛ حيث أجمعوا على أن الأفضل للأمة البريطانية ولمستقبلها أن تلزم الأم بيتها حتى يبلغ أبناؤها المرحلة الثانوية([9])”.

“وأجرت صحيفة (الجارديان) البريطانية استفتاء بين إحدىَ عشَر الف امرأة 11000 امرأة، ثلثاهن تقل أعمارهن عن 35 سنة، تبين من خلاله أن 68% من النساء يفضلن البيت على العمل لأن الكسب الحقيقي من العمل الخارجي للمرأة لا يخلو من مبالغة أو خطأ في الحساب، ومما يدل على ذلك ما قالته السويسرية (بيناولاديف) بعد تركها للعمل، إذ تقول: “فلو حَسَبتُ أجر المربية، والمعلمين الخصوصيين، ونفقاتي الخاصة-لو أنني واصلت العمل ولم أتفرغ للأسرة-، لوجدتها أكثر مما أتقاضاه في الوظيفة([10])”.

وأخيراً عن عمل المرأة كأجيرة خارج المنزل قالت إحدى الدراسات: “أوضحت نتائج الأبحاث التي أجريت في خمس دول أوربية، وهي إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وأيضاً أسبانيا بأن الإيطالية أكثر سعادة وتفاؤلاً بخدمتها للأسرة من سعادتها بالتقدم في أي عمل مهني، أو الوصول إلى مكانة وزيرة، أو سفيرة، أو رئيسة بنك، كما يفضلن أن يكن أمهات صالحات، ولسن عاملات ناجحات.

وأشارت الدراسات إلى أن المرأة العاملة في إيطاليا ترفض العمل عندما يتمكن زوجها من الإنفاق على الأسرة، وأجمع أكثر من 95% من السيدات في إيطاليا على إيمانهن العميق بقيمة الأسرة كأساس حقيقي للسعادة والاستقرار([11])” أهـ.

وتقول أم عبدالله (مريم عبدالحميد) أيضا، هذه النتائج عن عمل المرأة خارج المنزل لم تكن محصورةً فقط بأقوال الغربيين ودراساتهم، فالكاتبة الكويتية المعروفة غنيمة الفهد، وهي رئيسة تحرير مجلة (أسرتي)، وناشطة سابقة في مجال (الحقوق النسوية) -كما يُعبَّر- سجلت اعترافاً مدوياً نشرته في مجلة (المجلة) حسب ما تناقلته المواقع والمنتديات الالكترونية، وكان بعنوان (وحي الكلمات) كتبت فيه ما يغني كثيراً عن مقالات كثيرة مماثلة، وفيه قالت: “كَبُرنا وكَبُرت آمالنا وتطلعاتنا.. نلنا كل شيء.. نهلنا من العلم والمعرفة ما يفوق الوصف.. أصبحنا كالرجل تماما: نسوق السيارة، نسافر للخارج لوحدنا، نعمل كل ما نريد، أصبح لنا رصيد في البنك, ووصلنا إلى المناصب القيادية.. واختلطنا بالرجال، ورأينا الرجل الذي أخافنا في طفولتنا.. ثم.. الرجل كما هو لم يتغير.. والمرأة غدت رجلا: تشرف على منـزلها، وتربي أطفالها, وتأمر خدمها، وبعد أن نلنا كل شيء.. وأثلجت صدورنا انتصاراتنا النسائية على الرجال في الكويت.. أقول لكم، وبصراحتي المعهودة: ما أجمل الأنوثة!, وما أجمل المرأة..! المرأة التي تحتمي بالرجل, ويُشعرها الرجل بقوته ويـحرمها من السفر لوحدها.. ويطلب منها أن تجلس في بيتها.. ما أجمل ذلك.. تربي أطفالها وتشرف على مملكتها.. وهو السيد القوي، نعم.. أقولها بعد تجربة: أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتُها أثناء اندفاعي في مجال الحياة والعمل([12])” أهـ.

أقول عن حياة والدتي العملية اضافةً إلى ما سبق من أقوال: أجزم أن كثيراً من الاضطرابات النفسية لدى المرأة والأسرة لم تنشأ حديثاً إلا بعد خروج المرأة عن وظيفتها الأساسية، وكانت والدتي -غفر الله لها- تتمتع بصحة نفسية مستقرة.

بل لقد أجابت (حياة والدتي العملية) عن معظم تلك التساؤلات العامة، ومنها التي أوردها الحصيِّن والتي أوردناها سابقا، حينما كانت حياتها تغمرها السعادة بعيدة عن الضنك والشقاوة، بل وانعكس ذلك على مخرجات حياتها الأسرية، ولا عجب فمن يرى أهل بيتها وأبنائها وبناتها يستطيع القول بأنهم نشأوا وتمتعوا باستقرار نفسي واجتماعي كما هو معروف في الوسط الأسري والاجتماعي.

إن نجاح المرأة المسلمة وجهادها في تكوين أسرة مسلمة محافظة عبر التاريخ في مجتمعنا السعودي قديماً وحديثاً كافٍ عن المزايدات حول (حقوق المرأة) و(عمل المرأة) وغير ذلك من شعارات المتاجرة التي تتنافى مع الواقع والحقيقة، حيث لا يمكن أن توجد بطالةً للمرأة العربية، خاصةً في مجتمعات القوامة([13]) المسلمة ومجتمعات الأسرة والزواج. فالزواج بوابة الحياة العملية للمرأة، بل إن ما يُسمَّى (بطالة المرأة) ينتهي بوجود القوامة الحقة، والتي هي منتهى الكرامة للمرأة، فتوظيف الرجال في المجتمعات الإسلامية خير وقاية وعلاج لما يُسمى بطالة المرأة!!، لأن توظيف المرأة بأجر خارج المنزل يتصادم في نتائجه مع مفاهيم القوامة وما فيها من مسؤوليات، خلافاً لواقع المرأة الغربية حيث القوامة مسئولية  الطرفين على حدٍ سواء وفق القيم الأسرية والنظم الاجتماعية المعمول بها لديهم.

أقول ما سبق لأني قد رأيت والدتي تعمل على مدى ستة عشر ساعة متواصلة يومياً برغبتها واختيارها بدون كلل أو ملل، بل وفي شتى ميادين العمل المنزلية (الأسرية والاجتماعية والتربوية بل والاقتصادية).

إن السعادة والاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي هو ما تنشده كل امرأة وكل أسرة مسلمة، بل إن السعادة والاستقرار هما حجر الزاوية في الحياة، وهما الرهان الحقيقي العملي للحُكم على الأصلح للمرأة والرجل والمجتمع على حد سواء.

حقاً إن كل أم في الدنيا مدرسة لأولادها وأحفادها وأسباطها  وقد تكون لأكثر من هؤلاء، ولكن كل مدرسة تختلف عن الأخرى قوة وضعفا، كما تختلف في المناهج والرؤى، وتتباين في المقدمات والنتائج والمدخلات والمخرجات، وكانت أمي بحق مدرسة لي ولإخواني وأخواتي وللأحفاد والأسباط، ولكل إنسان تعامل معها أو تعاملت معه.

لقد كانت أمي مدرستنا جميعاً في جوانب كثيرة، مدرسة لنا في التربية، ومدرسة في الصبر والتسامح، ومدرسة في العطاء والعمل الخيري، ومدرسة في غرس قيم العمل والإنتاج، واستثمار الأوقات، بل ومدرسة في العلاقات الأسرية، والتواصل الاجتماعي.

وكفى أن أعبر وأقول: إنها مدرستنا في الحياة في عسرها ويسرها وحلوها ومرها، فهي نموذج من نماذج الأميَّات المربيات العاملات بالمنزل، وهن كثيرات –بحمد الله- في مجتمعنا المبارك بعقيدته وقيمه، وتلك النماذج ممن يستحق أن تدون تجاربهم في الحياة.

ومن أصداء هذا الكتيب الصغير (أمي مدرستي) الاستجابة لبعض طلبات القرَّاء بتوزيعه على أوسع نطاق لثقتهم بأنها (تجربة حياة عملية) عن عمل المرأة وخرافة بطالتها، فكانت الطبعة الثانية (22000) (اثنان وعشرون ألف) نسخة بحمد الله وتوفيقه ، وفي بعض تلك الأصداء كلمات ورسائل لا تقل أهمية عما تضمنته المقدمة والخاتمة والتي دونت في الطبعة الثانية للكتاب وفيها ورد:

الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصيِّن – رحمه الله – إطلع على كتاب (أمي مدرستي) وهو على سرير المرض -شفاه الله- وقد أعجبته فكرة الكتاب وتوظيفه فكان مما قال للمؤلف: “من أفضل ما كُتب، ومن أفود ما نُشر عن صورة عملية واقعية، فكل الكتاب جميل بفكرته ونتيجته، ربنا وفقك لتوظيف واقع الوالدة لما يقال عن عمل المرأة، وأُوصي بأن يُبالَغ في نشره في كل مناسبة ويُوزَّع على أوسع نطاق”

وكتب فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر فقال: “أتحفني أخي محمد السلومي برسالته عن والدته رحمها الله، وقد فرحت بها وقرأتها ووقفت أمام هذا الوفاء والبر من أخي محمد لوالدته، حيث إن تسطير هذه الأحرف سيبقى لها ذكراً في الآخرين وبخاصة مع هذه السيرة التي آمل أن تجد فيها بناتنا من التضحية والصبر وحسن التربية والقيام بحقوق الزوج مما هو محل الاقتداء لهن في زمن كثرت فيه المشكلات الأسرية دون أسباب معتبرة. رحم الله أم سليمان وبارك لزوجها وأولادها في أعمارهم”.

وكتب الشيخ صالح بن ساير المطيري رسالة عن كتاب أمي مدرستي فمما قال فيه: “لا أخفيكم أني قرأت الكتاب باستمتاع لم أذق مثله لأنه خلط عبق الماضي بطعم الحاضر بأسلوب عفوي لا تكلف فيه… كم نحن بحاجة إلى إبراز هذه القيم وهذا العطاء غير المتناهي في زمن يعج بكثير من الغثائية في الطرح فيما يتعلق بعمل المرأة وإنتاجيتها. ولقد حصر هؤلاء المتحدثون عمل المرأة في العمل بأجر ووصموا غيرها بالبطالة. وكنا دائما نقول رداً على هذه الفرية: أن المرأة لدينا عاملة بطبيعتها منتجة أيما إنتاج لا يمكن أن يقوم به غيرها. وتعتبر والدتكم – رحمها الله – أنموذجا رائعا لهذا الإنتاج العظيم، فماذا يقول أولئك اللاهثون وراء ما يكتبه الغرب أمام قصة نجاح باهرة وإنتاج عظيم من امرأة بسيطة أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها قوية الصلة بالله تعالى؟ خرَّجت أربعة من الأكاديميين أساتذة في الجامعات يحملون أعلى الشهادات ومن المنتجين في بحوثهم وأطروحاتهم وبقية الأبناء يحملون شهادات جامعية, وبنات ربَّات بيوت ناجحات في بيوتهن وأسرهن… وأعتقد أن من بنات جيلها الكثير ممن قدَّمْن شيئا من تلك القيم والإنتاجية لكن لم يكتب لهن أن يجدن من يخرج تلك المكنونات”.

وكتبت فاطمة بنت عبد الله بن محمد الخليفة للمؤلف، وعبَّرت بخواطر خاصة عن أم سليمان بعد رؤية كتاب (أمي مدرستي) ومما قالت عنها: “صلتها (الاجتماعية) بأسرتي كانت هي التي جعلتني لا أنساها، ومكانتها في نفس أمي جعلت لها مكانة خاصة في نفسي أيضاً.. وكان سرّ العظمة فيها وفي أمي، هو في صبرهنّ على أزواجهنّ، وأعلم أنها – رحمها الله – عانت كما عانت أمي، وصبرت كما صبرت أمي، وكان ما يُعزِّيني أن أبي (كما أبوك) لم يكن يؤذيها أو يؤلمها بقصد الأذى، لكنها طبيعة مرحلتهم، كان صبرهن عجيباً، لكن لاشيء يجعل المرأة تحتمل الرجل إلا أن تعرف مكانتها عنده وقيمتها، كان أبي يحب أمي، وكان أبوك يحبها، وكان يحيط كل هذا تدين يجعل الصبر عبادة، والرجاء مما عند الله عزاء لا ينقطع في نفوس الجميع.. ما الفرق بيننا وبينهن؟! كانت الأدوار واضحة، والمسؤوليات محددة، والرضا يملأ القلوب. كل ما ينخر اليوم في علاقاتنا هو بُعدنا عن تلك القيم، وتعطيلنا لكثير من مفاهيم مجتمعنا القديم، وعدم استيعاب أجيالنا أن هناك إمكانية أن يكون هناك (دمج) متوازن يستطيع أن يجعل حياتنا أجمل، وعلاقاتنا أقوى، وإحساسنا الإنساني ببعضنا أعمق”.

وشارك الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي بقوله: “أسأل الله تعالى أن يغفر لوالدتك، ويأجرك على ما كتبت، ويقر عينك بذريتك، وهذه الأحاسيس والمشاعر الصادقة من أحسن أنواع البر بالوالدة بعد وفاتها، ومن الحقيقة التي يجب معرفتها عن عمل المرأة خارج المنزل: أنه في حالة استمرار التعاطي بأن كل امرأة حملت شهادات ولم تعمل خارج البيت تُعدُّ في الإحصائيات من البطالة!! فإن هذا مما سيزيد من أرقام بطالة الرجل والمرأة على حدٍ سواء، كما أن هذا المفهوم لعمل المرأة سيصنع مشكلات جديدة على الأسرة والمجتمع ويضيف أعباء على الدولة، والعمل بهذا المفهوم من التِيْه الذي لن يقدم الحلول”.

وأخيراً : وأنا أقدم هذه (الرسالة) و(الرسالة السابقة) للقرَّاء، اسأل الله أن ينفع بها -كما انتفعت بها وأنا أكتبها-، وأن يكون من العمل الذي يُنتفع به، والصدقة الجارية لوالدتنا، وأن يكون سبباً ومدعاةً للدعاء لها.

وأسجل شكري لكل من أسهم بالرأي والمشورة أو بالمشاركة المدونة، وأسأل الله للجميع قبول ما قدموا، كما أعتذر للقراء جميعاً بأن ما كُتِبَ لم يخْلُ من العاطفة الدافعة، التي قد تكون مؤثرةً على الجانب العلمي في هذه الورقات، وعذري أنني كتبت ذلك عن والدتي، فالمشاعر تجاهها فيَّاضة، والعواطف عنها متدفقة، ومن الصعوبة بمكان كتمان تلك المشاعر أو وأْدِها في النفس، وهذا من الأَسْر العاطفي للكاتب عن أُمِّه فهو عزائي وعذري.

والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

كتـــــــــــبه/محمد بن عبد الله السلومي

info@the3rdsector.org

 

[1] هذه رسالة مأخوذة من خاتمة ومقدمة الطبعة الثانية من كتاب (أمي مدرستي) تأليف: محمد بن عبد الله السلومي، وأُفردت هنا استجابة لطلب كثير من قراء الكتاب الذين طلبوا إنزال المقدمة برسالة منفصلة، وكذلك الخاتمة وضُمَّ إليها مقدمة الطبعة الثانية للكتاب، وذلك في رسائل منفصلة، ووُضعت في الشبكة المعلوماتية مع تعديلات يسيرة جداً، ويمكن للقراء الحصول على نسخة إلكترونية كاملة للكتاب من خلال موقع مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية على الرابط التالي: http://3rdsector.org

[2] أنظر رسالة بعنوان : (هل يمكن أن نتحرر من هذا الرق الثقافي) صالح الحصيِّن، منشورة في موقع العصر على الرابط التالي: http://alasr.ws/articles/view/12804

[3] أنظر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] انظر : موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي: https://www.islamtoday.net/bohooth/services/printart-86-146369.htm نقلاً عن  كتاب المرأة الغربية 63.

[6] انظر: موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي: https://www.islamtoday.net/bohooth/services/printart-86-146369.htmنقلاً عن  الموقع : www.Islamonline.net/arab/adam.2003/07/article05.shtml

[7] انظر: موقع الإسلام اليوم على الرابط التالي https://www.islamtoday.net/bohooth/services/printart-86-146369.htm ، نقلاً عن  كتاب أمريكا كما رأيتها ص  174، وانظر كتاب أمريكا كما رأيتها ففيه تفاصيل واحصائيات تستوجب الوقوف عندها.

[8]انظر : موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي https://www.islamtoday.net/bohooth/services/printart-86-146369.htm ، نقلاً عن كتاب: المرأة المسلمة/ وهبي غاوجي ص 230.

[9]انظر : موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي http://islamtoday.net/bohooth/artshow86-145780.htm ، نقلاً عن كتاب العدوان عن المرأة ص326.

[10]انظر: موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي: 145780-http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86htm ، نقلاً عن كتاب عن العدوان المرأة ص 325.

[11] انظر : موقع الاسلام اليوم، على الرابط التالي http://islamtoday.net/bohooth/artshowhtm.145780-86 ، نقلاً عن كتاب (العدوان على المرأة)، ص 327.

[12] انظر: الرابط التالي: http://n33a.com/vb/showthread.php?t=1780 ، وانظر الرابط التالي: http://forum.sedty.com/t445942.html ، وانظر الرابط التالي: http://www.waraqatnet/44

وانظر الرابط التالي : http://www.tran33m.com/vb/t39527.html

وللمزيد عن حقيقة حقوق المرأة في الإسلام أنظر: أقوال وتصريحات متعددة من المرأة الغربية. أنظر: موقع الإسلام اليوم بعنوان : شهادات المنصفين عن مكانة المرأة في الإسلام، خروج المرأة للعمل.

[13] المقصود بالقوامة مسؤولية الرجل عن أمه وزوجته وأخواته وبناته بالرعاية والحماية والنفقة والمسؤولية المعنوية والمادية

تصفح الرسالة pdf

لا توجد تعليقات

بريدك الالكتروني لن يتم نشره


الاشتراك في

القائمة البريدية

اكتب بريدك الالكتروني واضغط اشتراك ليصلك كل جديد المركز

تصميم وتطوير SM4IT