مستقبل العمل الخيري في ظل المتغيرات العالمية
إبراهيم محمد إبراهيم الحديثي
كلية الحقوق و العلوم السياسية
أستاذ مشارك| استاذ القانون الإداري والدستوري المشارك
لا أستبعد أن يهمل القراء أو السامعون ما سيسمعونه أو سيقرؤونه في هذه المحاضرة، كيف وقد واجهني في أوائل قراءتي عن المستقبل قول أحدهم: “إن الاستراتيجية المستقبلية المهيمنة هي التنكر للأفكار المستقبلية”؛ فالتنكر للمستقبل هو الاستراتيجية الفكرية التي يحملها الناس إلى المستقبل؛ لأن السهولة والاعتياد أسهل من التغير والتبديل والتفكير في سلوك طريق جديد، ولهذا كان عدم التخطيط تخطيط للفشل، بحكم أن متاعب عدم التخطيط في المحصلة الأخيرة أقل تكلفة من الإعداد للمستقبل. ولكن الراحة وعدم إزعاج البال شهوة إنسانية تكتسب القداسة مع التقدم في السن، ومع الركون للتجارب الناجحة السابقة، أو الاحتجاج بالفشل المسبق، فيميل الإنسان لما نقله مالك بن نبي عن الثقافة العامة: “نأكل القوت، وننتظر الموت“.
وهناك مشكلة في التفكير للمستقبل وهي أنها تسبب المصادمة مع عبَّاد المعتاد، أو الذين نجحوا في الماضي في أي وضع ونظام، فيلزمون المستقبل بالماضي، ولهم أدلة دائما حاضرة أقلها الابتداع والتقليد للمخالفين والكفار. والحمد لله أني أتحدث في بيئة إسلامية خيرية متشبعة بالتقليد للكفار فكرة وتنفيذا؛ لذا سوف يكون النقد على الأقل-فنجد المنسحبين من المستقبليين ـ غالبا ـ أكثر من الصابرين على التهم والتعيير بالتحريفية وبالخروج عن التقاليد.
والحقيقة أن المسلم يجب أن يعطي الزمن أهمية كبرى؛ فقد كان الزمن مركزيا في القرآن والسنة، وفي السيرة، وفي ثقافة نبلاء هذه الأمة، حتى إنك لتجدنهم يغرقون ـ أحيانا ـ في اهتمامهم بالمستقبل التربوي والتعليمي والبدني والعقلي، وتنتشر نصوص هذا الاهتمام في كل زاوية من كتابنا ومن تراثنا الفكري؛ فاللهُ أقسم بالزمن: “والعصر إن الإنسان لفي خسر”. ثم فصل القرآن حتى الحقب الصغيرة للإنسان إلى أن يلقى ربه: “هل أتى على الإنسان حين من الدهر…”. و ورد أن من الزمن ما يُسأل عنه الإنسان “الشباب” أو عن حقبة منه، وأحد العلماء أراد أحدهم أن يشغله عن عمله فقال: “أمسك الشمس”. وماو تسي تونج سئل عن مشروعه لبلاده فقال:” أضاعت الصين زمنا طويلا، ويجب أن تمسك مرة أخرى بناصية الزمان”. ولست بحاجة لأن أتحدث عن هذا هنا، فليس موضوع الحديث.
وبما أن التفكير هو “ترتيب معين للمعلومات يتوصل به لحل المجهولات”، فإن محاولتي في هذه الورقة تتجه ـ غالبا ـ للتنبيه إلى المعلومات، وقليلا ما ارتاد المجهولات، ثم إن المجهولات نسبية للناس كما المعلومات، ومن كان بعيدا فرؤيته مهمة لتأييد المعلومات أو للتنبيه إلى مجهولات.
المستقبل
ما أستقبله من حديث في هذا السياق هو مستقبل بالنسبة لكم، ولكنه بالنسبة لي ماض أو هو خليط من الماضي والمستقبل. ومن الفلاسفة من ينكر تقسيم الزمان إلى ماض وحاضر ومستقبل، بل يراه زمنين ماضيا ومستقبلا، واللحظة الحاضرة وهم لا قيمة للحديث عنه، فهو أجزاء من الثانية مرت وأخرى مستقبلة. ولهذا فبعضهم يرى أن العمل الجيد في الآن أو في اللحظة الحاضرة هو عمل مستقبلي جيد، والعمل السيء في هذه اللحظة هو إفساد للمستقبل، أو هو مستقبل فاشل.
ولعلي لا أتحزب لحزب المؤرخين إن قلت إن أهم جدل وتنفيذ لمعركة المستقبل حصلت في الأفكار والأعمال التي ألح عليها وآمن بها واعتقدها المؤرخون، وهم يلقون بأمراض أفكارهم على العالمين من ماض لا نعرف مداه، إلى ماركس وتوينبي وفوكوياما، إلى اليوم في تحليل قصة العراق ومستقبل الاحتلال، فالحكومات تلجأ كثيرا إلى فتاواهم المضرة، كما تلجأ بعض الجيوش والمصانع لروايات الخيال العلمي.
ولهذا فإننا نختار من معارك الموضوع قولا واحدا ونتجنب الكلام في سواه، وهو أن عمل الإنسان الجاد للمستقبل، الذي أخذ في اعتباره أغلب العوامل المؤثرة، سوف ينجح ولن يذهب هدرا في تأثيره في العالم خيرا أو شرا، وإن ساءت نية صاحبه: “إنا لا نضيع عمل عامل…”، والوعيد بأن الله لا يصلح عمل المفسدين أو أنه سيكون هباء منثورا، فإن النص يشير إلى أنه تحقق ولو شيء منه.
لقراءة كامل المقال على الرابط التالي: http://fac.ksu.edu.sa/hidaithy/page/20263
لا توجد تعليقات