((مبحث علمي عن الشنانة في التاريخ))
من كتاب: عبدالله بن سليمان بن ناصر السلومي
(تجارب تطوعية مبكرة)
د. محمد بن عبدالله السلومي
المبحث الأول
الإطار المكاني المباشر:
(الشنانة في التاريخ)
لـدى (الشنـــانة) قــد أودَعتُ وجدانـي
وفي رُبى (الرس) أصحابي وخلانـي
سعــوا إلى النهضــةِ الكُبــرى بلا كَــلَلٍ
لوَحْـدَةِ الصَّـفِّ خَلْفَ القائِدِ الباني
وقــلتُ مســـتــنزلاً سُــحْبَ السما مـــــطراً
علــــى (الشنانة) مــــن آنٍ إلـــى آن
(الشاعر: محمد الشهري –رحمه الله-)
الأهمية التاريخية للشنانة
الحديث هنا ليس عن تاريخ الشنانة بصفة كاملة، وحقها أكبر من هذه الإشارات السريعة، لكن الترجمة لواحد من رجالها يقتضي إضافة بعض المعلومات المختصرة والمهمة المرتبطة بموضوع الترجمة في هذا الكتاب، حيث أهمية البعد المكاني أو الجغرافي للترجمة، لإضفاء التكامل مع محتويات هذا البحث، ولتحقيق السياق التاريخي الاجتماعي والديني لهذه الترجمة، وتأتي أهمية الشنانة والرس من خلال الأهمية الجغرافية لموقعهما كبوابة غربية لنجد، وهما من أول البلدات التي تقع غربي منطقة القصيم أمام الغزاة القادمين من الغرب خاصةً ولاة مصر([1])، وبالتالي كانت الأهمية التاريخية السياسية للشنانة والرس كأول خط دفاع عن القصيم بشكل خاص ونجد بشكل عام، كما أن الأهمية تتأكد من خلال أحداث الشنانة وهي الوقعة أو المعركة المعروفة باسمها والتي سجَّل التاريخ فيها انتصاراً ضد أبرز خصوم الدولة السعودية الثالثة عند تأسيسها، وبهذا الدور وأدوار أخرى للرس تتكامل فيها الأدوار التاريخية للوطن والمواطنين في السياق التاريخي العام لتأسيس الوطن وحمايته([2])
الشِّنَانة (الموقع والأهمية)
بكسر الشين المشددة، ونونٌ مفتوحة، فألف ثم نون ثانية فهاء بصيغة النسبة إلى (الشنان) والشنان شجر من شجر الحمض عندهم([3]).
وهي بلدة أو قرية من قرى الرس الهامة يدل على ذلك مرقبها الهائل الارتفاع بالنسبة إلى ما يماثلها من مباني طينية آنذاك، والذي لا يزال قسم منه باقياً شاهداً على ما بلغته تلك البلدة من تاريخ وقوة في الماضي – كما سيأتي-.
وكان آخر عهدها بالعمران والازدهار عندما نزلها عبدالعزيز بن متعب بن رشيد إبَّان منازلته للملك عبدالعزيز بن سعود ومن معه من أهل القصيم –رحم الله الجميع- في عام 1322هـ إذ عمد إلى نخيلها فقطعها بغية التدمير ولأجل أن يأكل جنوده جُمَّارها([4])
وقد هُجرت البلدة القديمة من ذلك الوقت، وأنُشئت بعدها نخيل ومساكن إلى الجنوب منها.
وتقع الشنانة على الضفة الجنوبية لوادي الرُّمة على بعد حوالي 6 أكيال منه وعلى مجرى وادٍ يسمى (شعيب الشنانة) يصب في وادي الرُّمة([5]).
وهي على خط عرض 80، 25˚ وخط طول 45، ::43([6]) ، وفي عام1431هـ اخترق أراضي قرى الشنانة قديمها وحديثها الدائري الغربي للرس، لتصبح الشنانة من أطراف أحياء مدينة الرس وملاصقةً لمخططاتها البلدية.
وقد كانت الشنانة القديمة بلدة هامة تضم أسراً وعشائر متعددة، وتوصف بالديرة، كما كان يصفها البعض من القدامى بـ (البصيرة) لكثرة نخيلها، وأُطْلِق عليها هذا الوصف بعض الناس تشبيهاً لها بالبصرة العراقية بصيغة التصغير، لكثرة النخيل فيها، بل كانت الشنانة مُصدِّرةً للتمور(الرطب)، وهو ما يُسمى (الخراف)، وكان الشيخ عبدالله السلومي ممن يتولى إيصال بعض هذه التمور إلى بعض أعيان الرس وتجارها كمهنة سابقة لوالده، ثم مهنة له فيما بعد ذلك، كما اشتهرت الشنانة بنوعية رمانها الجيد الذي كان مطلوباً في أسواق الرياض وبريدة بعد أسواق الرس لتميز نوعيته وطيب مذاقه.
سكان الشنانة بين القديم والحديث
يذكر الشيخ عبدالله السلومي وأخوه صالح وهم من مواليد الشنانة وسكانها: “أن من سكان الشنانة الأصليين القدامى الشارخ من العجمان وهم الذين أسسوا ظَلْمَا، وأقطعوا خليفة بن منيع جنوبها حينما قدم من أُشِيقر، ومن سكانها البلاع من الصيخان، والشايع والبغيليل، والصويان، وهم معروفون ومزارعهم معروفة، والراقي (وهم غير معروفين الآن بالقصيم)، والجديعي وهم معروفون ولهم الآبار المعروفة (قلبان الجديعيات) جنوب شرق ظلما في الشنانة القديمة([7])، والبريثني (وهؤلاء غير معروفين الآن)، ومن عوائل الشنانة القديمة الظواهر من حرب، والطاسان، والمعثم، والمساعيد من المشرَّف من بني تميم، والمسعودي من شمَّر، والدهلاوي من شوارخ العجمان، وغيلان العنزي وكان ممن سكن قصر ابن عقيل وهو ممن باع بعض الأملاك على أولاد خليفة بن منيع، والعنزي يُعد من أوائل من أحيا وأسَّس بعض القلبان (آبار) بالشنانة، وزرع بعض الأراضي بها، وله قلبان معروفة من أشهرها قليب غيلان بين برج الشنانة (المرقب) والرشيدية، وكذلك من العوائل المشهورة في تاريخ الشنانة القديم البواهل وفي أرضهم بني مرقب الشنانة، وعائلة المهنا من المساعيد، وكانت أملاك الشنانة ومزارعها وبيوتها مشاعة بين هؤلاء وغيرهم، ويُعد هؤلاء ممن أسسوا الشنانة القديمة، وقد تحول معظمهم إلى الرس وبعض هؤلاء باعوا أملاكهم على بعض رجال الخليفة أو أقطعوهم مثل مزرعة (ظلما) من الشوارخ – كما سبق-“.
سليمان بن عبدالله العميري([8]) وهو من سكان ومزارعي الشنانة القديمة، ولديه معرفة كافية عن السكان الأصليين للشنانة وأملاكهم، عَدَّ وأحصى مزارعهم المعروفة بأسمائهم فقال: “كانت مزارع الشنانة معروفة بأصحابها وهي كالتالي: مزرعة فوزة للصويان، مزرعة الرِّشيْدِية والمالكين لها هم الرُّشَيْد (وليس الرَّشِيِد)، مزرعة الجنيزرية وفيها بُني مرقب الشنانة وهي ملك للبواهل([9])، مزرعة ظلما للشوارخ ثم بعد ذلك لخليفة بن منيع وأولاده الأربعة، وفوقها من الجنوب الشرقي قلبان البريثينيات، مزرعة الظاهرية للظواهر، مزرعة المانعية للمنيع من الخليفة، مزرعة العلاقية، مزرعة الصويانية للصويان، ومقاطير المساعيد (مساعيد المطية)، مزرعة محل الكِرْشان من المفيز مزرعة محل العِيصْ من الرميح المفيز، مزرعة الوسيطا للشوارخ، ثم أصبحت وقفاً للمسجد في الشنانة الوسطى (العلوة)، مزرعة البغيليل من الزهير، مزرعة محل العوفان (جد عوفان أبو مروة)، مزرعة محل الرشيد لعائلة الرشيد، مزرعة العلوانية للعلوان وهم من المفيز، مزرعة المصرقعيِّة للعميري والأصل للشوارخ، مزرعة القريشية للقريش، مزرعة مقطر الصويان للصويان، مزرعة الراقية ونفجة للعميري، مزرعة الخطيبية للعمَّارِي (من أهل عنيزة الآن)، مزرعة الرشَيْدِيّة للدباغ والخليفة، مزرعة الدهلاوي للدهلاوي وهم من العجمان، مزرعة الخُنينية لابن زايد، مزرعة محل الطاسان للطاسان تحت أرض الرشيدية، مزارع أبومروة للصويان، مزرعة العَبُّوش بجوار الرشيدية، مزرعة العميري للعميري، مزرعة المعَثَمْ للمعَثَمْ، وماسبق يُعدُّ من أبرز عائلات الشنانة القدامى، وأملاكهم معروفة في الشنانة القديمة، ثم تحولت بعض الأملاك، وظهرت بعد ذلك أملاك أخرى بالشنانة الوسطى (العليا)، ومن ذلك مزرعة المقطر للرشِيد مشتراة من سليمان الخليفة، مزرعة محل السعودية مشتراة من العميري للحوثل من الخليفة، مزرعة العُلوَّة للحوثل كذلك، وكذلك طَلَعَت مقاطر البلطانية للبلطان وهم من (العجمان) وهم أول من أسس البلطانية، ثم مقطر نخيل للمحسن من عائلة الخليفة وهو أكبرها، ومقطر ثاني لخليفة المنيع، ثم مقطر الحسين من الخليفة، وكانت البلاعية التي قطعها ابن رشيد لابن بلاع وهم من الصيخان من بني خالد، وأعلاها جنوباً مشتراة للخليفة المحمد من غيلان العِنِزي وهي الشنانة العليا وتسمى حالياً البلاعية، والكرشان شمال البلاعية عند الصُّفَيِّة، مزرعة السباطي من الخليفة، مزرعة المحمد وهي على الشعيب الشرقي قِبْلة برزان لفرع المحمد من الخليفة، مزرعة برزان للسليمان من الخليفة (بعد ظلما)، مزرعة المنيعية للمنيع من الخليفة ثم السلومي بعد ذلك، مزرعة مزعلة لعلي العبدالله الخليفة (الحوثل)، ثم لقُطيَّان من الخليفة (بعد قطعة نخيل الشنانة)، محل حزم النْظَام([10]) لغيلان العِنِزِي (غرب مزرعة العميري)، وشغية مسعود (مقطر المسعودي)، وكثير من أملاك الشنانة كان مؤسس قلبانها غيلان العِنِزِي، ومن بعده ابنه صالح بن غيلان، وباعها على الصويان وعائلة خليفة وغيرهم([11])” انتهى.
ويقول الصويان عن ديرة الشنانة وسكانها يوم قطعها ابن رشيد عام 1322هـ: “مكاننا مكان الصويان… والله إنها سبعمائة جذع… سبعمائة نخلة… كانت حوالي نصف الديرة (الشنانة)… عليها أربع قلبان كلها للصويان…، الصويان أربعون نفساً” والمؤلف الصويان بهذا التوصيف لسكان الشنانة يضع من عائلة الصويان ومزارعهم أنهم أكثرية سكانها زمن غزو ابن رشيد لها، بمعنى قبل حوالي (114) سنة فقط من إعداد هذا الكتاب([12])، وهذا ليس استقصاءً كاملاً لملاك وسكان الشنانة القدامى أو الأصليين، ولكنه عن أبرز العائلات التي أسست الشنانة قديماً.
عائلات الشنانة بعد قَطْعَة الشنانة
يُلاحظ أن الشنانة بعد قطع نخيلها من قبل عبدالعزيز المتعب الرشيد فيما عُرف بـ (قَطْعَة الشنانة) التي تلتها معركة الشنانة عام 1322هـ، رحل معظم أهلها إلى مدينة الرس آنذاك وغيرها من المدن، وعُمِّرت الشنانة مرة أخرى بمزارع ومساكن أخرى جديدة في جهتها الجنوبية، وعن أبرز عائلات الشنانة فيما بعد تاريخها القديم قال الشيخ عبدالله السلومي بشيء من التفصيل: “قدم جَدُّنا هويشان وَخليفة بن منيع من أُشيقر -رحمهما الله- كما هو معروف عند العائلتين، وكانت الشنانة السفلى (القديمة) عامرة ببعض العائلات المشهورة آنذاك([13])، ووصل خليفة بن منيع إلى الشنانة فيما بعد ذلك، وكان الشوارخ مالكين لأرض (ظلما) شرق وادي الشنانة الشرقي، وظلما من الأراضي المجاورة للشنانة السفلى، وقد أقطع الشوارخ قبالة (ظلما) يعني جنوبها لخليفة بن منيع، وحدث نزاع بين خليفة والشوارخ على ظلما أدى إلى رحيل الشوارخ إلى أرض ما سمي بعد ذلك (المطية) التي استقر بها الشوارخ وزرعوها واستوطنوها، وأوصى خليفة بعد ذلك بظلما لأبنائه الأربعة، وكانت أربعة حيطان بأربع أبار (قلبان)، ثم صارت بعد ذلك، لعقبهم يعني آلت إلى (ذريتهم)([14]) وأبناؤه هم الذين عُرفوا بعد ذلك بفروع عائلة خليفة بن منيع، وهم أربعة حسب تسلسل أعمارهم: (المنيع)، و(العبدالله)، و(المحمد)، و(السليمان).
وكان قدوم جد الخليفة (خليفة بن منيع) وجد السلومي (هويشان) من (أُشيقر) بعد حروب حدثت بين المشارفة من تميم حوالي عام 1185هـ (منتصف قيام الدولة السعودية الأولى تقريباً)، ومما يؤكد تاريخ هذا القدوم تواريخ حروب المشارفة، وكذلك السنوات العمرية للأجيال، ووثيقة سليمان بن ناصر السلومي عن قدوم جده هويشان وخليفة بن منيع([15])، ثم ما ورد في وثيقة نسب خليفة بن منيع ومُشتراه للشنانة من آل غيلان بأنه 1200هـ تقريباً، وكذلك ما ورد في الوثيقة السابقة عن مقتل ابنه منيع بن خليفة بن منيع في الدرعية، وكان سقوطها على يد إبراهيم باشا عام 1233هـ وكل ذلك أو بعضه مما يحدد تاريخ قدوم العائلتين.
أبيات تختصر الأدوار
لقد كان لأهالي الشنانة والرس أدوار تاريخية يَحْسُن الرجوع إليها في مواضعها من كتب التاريخ والمعاجم الجغرافية سواءً في البطولات أو في مشاركة بعض علمائها ومطوعيها في التوطين الفكري للعقيدة في نجد وغيرها بين قبائل البادية والحاضرة.
وهذه بعض الأبيات الشعرية التي فاضت بها قريحة أحد الشعراء وعاطفته فدعا للشنانة ولساكنيها، كما دعا لأهالي الرس، وأشاد بأدوار الجميع التاريخية، وكانت القصيدة بركاناً من المشاعر تجاه الشنانة والرس، وذلك على حد وصف أحد الشعراء المعلِّقين على تلك القصيدة الطويلة المتعلِّقَة برثاء المطوِّع سليمان بن ناصر السلومي، وفيها قال الشاعر([16]) قصيدته بعنوان: (تحية إلى الرس: على الشنانة من آن إلى آن)([17]).
1 | لدى (الشِّنـانةِ) قـــد أَودَعْتُ وُجـــدانـي | وفي رُبى (الرسِّ) أصحابي وخِــــــلاني | |
2 | أرضٌ يهيــــــمُ بهـا قلبي إذا ذُكِـــــــرَتْ | وإن بَعُـــــــدْتُ أثـــــــارَ البُعْـــدُ أشْجاني | |
3 | فيها الأحِبــــــةُ خِـــــلانُ الــــوفاءِ بِهِـمْ | تــــزهُـــو الديـــــارُ ويَسْلــو قلبُ هَيمان | |
4 | سعــوا إلى النهضـــــــةِ الكُبرى بلا كَلَلٍ | لوَحْـــــــدَةِ الصَّـــــفِّ خَلْفَ القائِدِ الباني | |
5 | منهُــــــمْ دُعـــــاةٌ وأجنـــــــادٌ مجنَّــــدةٌ | مـــــعَ المــــــؤسسِ خَـــاضُوا كُلَّ مَيدان | |
6 | وقـد مَحَضْـتُ (لسلـوميَّ) عـاطفـــــــتي | بني (سليمانَ) ذاك الوالــــدِ الحـــــــاني | |
7 | أنعــــمْ بِجَدٍ سَعَى في الخيرِ مجتهــــــداً | يَسِيــــــرُ بالنصـــــحِ للقــاصي وللداني | |
8 | دعــــــا إلى الله فــي صـــدقٍ وكــان لَهُ | حُسْـــنُ القبـــــولِ بتــــوقيرٍ وعِرفـــــان | |
9 | من (القصيمِ) إلى (المهدِ) الــذي حَفَلَتْ | به مَرَابِعُهـــــا مـــــن غَيْــــرِ نُكْـــــــرَان | |
10 | بِبَسْطَةِ الوَجْهِ يَلْقَـى النـاسَ مُبْتَسِمــــــاً | سَمْــــــحَ المُحَيَّـــــا لإِخــــــوانٍ وجِيران | |
11 | حتى تَــرَجَّــــــل عَـــنْ أعْــــوَادِ مِــنْبَرِهِ | ومَسْجِدٍ كَانَ مَعْمُــــــوراً بِقُــــــــــــــرآن | |
12 | ثـوَى (سليمانُ) مَصْحُـــــــوبا بِطَائِفَــةٍ | مِن المَشَـــاعِرِ تَغْلي مِثْلَ بُركــــــــــــان | |
13 | حِيـنَ الْتَقَـــى بعـدَ بُعـدٍ عـن مَـرَابِعِــــــهِ | بِمَــن أحَبَّ علـى يُمــــنٍ وإيمـــــــــــــان | |
14 | وقـــد رمَـانا بسَــهْمِ البيـــنِ مُرتحِــــــلاً | مـن دارِ دُنيــا إلى مـــــأوىً له ثــــــــان | |
15 | مقـــــدِّمـــاً نفسَــــــهُ للهِ مبتَسِمـــــــــــــاً | مستخلِفـــــاً فَــقــــْدَ خِــــلانٍ بخِـــــــلان | |
16 | والوَصلُ والفَصلُ بيـنَ الناسِ مُطَّــــــردٌ | وسُنــــةُ الله تَمضِي حَسْــــــــبَ ميـــزان | |
17 | كُـــلُّ امـرِئٍ خــاضِــــعٌ حَتْماً لخـالقِــــهِ | كمـــا استجاب مَدِينٌ أمْــــرَ ديـــــــــــان | |
18 | وغـــــاب عنا (سليمــانُ) التُّقَـــى فــإذا | كلُّ النفوسِ تغشَّتْ ثــــوبَ أحــــــــــزان | |
19 | وزُلـــزِلَتْ فــي خبــــايا الـدارِ حاشيـــةٌ | مكلومَةٌ بيــــنَ مذْهُــــولٍ وولْهَـــــــــــان | |
20 | لـــولا العَــــزَاءُ بِـ(عَبْـدِ الله) حِينَ سَعَى | لِيُكْمِـــــلَ السَّيْــــرَ فـــــي عَـــزْمٍ وإتْقَان | |
21 | يخطُـــو إلــــى المجـدِ في آثارِ والِـــــدِهِ | والمجــــدُ لا يُبتـنَى مــــن غيــــرِ أركان | |
22 | ابنٌ مضَى لِمِـرَاقي العِــــزِّ بعْـــــــــدَ أبٍ | فَقـــــامَ فِيهِـــــمْ مَقَــــــامَ الـــوالِدِ الثاني | |
23 | واسترجَعَتْ أمُّ إبراهيمَ([18]) واحتسبَـتْ | مَــرارةَ الحُزنِ لا تلْوِي على شــــــــــأن | |
24 | وحَوقلَتْ فـــي مقـــامِ الصبـــرِ معلِنـــةً | رضيتُ يا ربِّ فاشملْني بغُفْـــــــــــــران | |
25 | وقـــــــاطَعَتْ بقَـــــرَارٍ لا تَبُـــــــوحُ به | ما كان يُرْشَفُ من دَلَّاتِ رَسْــــــــــــلان | |
26 | وأخلصَــتْ نفسَهــــا لله صــــــابـــــرَةً | فكلُّ شيءٍ على دَرْبِ الفَنَــــا فــــــــــــان | |
27 | والصبـــرُ مُـــــرٌ ولَكِنْ لا مَنَــــاصَ لنا | عنهُ ولا لِجُمُـــوعِ الإنسِ والجــــــــــــان | |
28 | وقَوَّضَــتْ بَعـْــدَ لأْيٍ مَـــورِداً وجَــــدَتْ | فيهِ الجُمُـــوعُ أمانِي كُلِّ عطشــــــــــــان | |
29 | فأغلقت مُنْتَـدَى الضيفـانِ حيـــنَ بـــــدا | قَفْــراً وقــد حُبَسَتْ كَفَّــا (سليمـــــــــان) | |
30 | قِفُوا على قبرِهِ فـي (الرسِّ) وابتَهِلُـــوا | إلى كَرِيمٍ عظِيـــــمِ العَفْـــــوِ منَّـــــــــــان | |
31 | وزُلــزِلَــتْ أرضُنـــــا زِلْزَالَهـــا ألَمــــاً | لفَقْدِ مُنْتَجَــــعِ المُحْتــــــــاجِ والعَـــانِــــي | |
32 | واسْتَنْزَفَتْ كُـلُّ عَيْـنٍ دَمْعَهـــا وغَــــدَتْ | رُبُوعُنــــا حِمَماً تَغْلِـــــــــــي كَبُرْكـــــان | |
33 | والطيـرُ قــد لازمَتْ أوكــــارَها حَـــزَناً | هِيضَتْ من الحُـــزْنِ لم تَنْهَضْ بجِنحــان | |
34 | رُحْمَـاكَ يَـــارَبِّ بـــاتَ الحَبْلُ مُنْقَطِعــــاً | بينَ القَصِيـــمِ ودارِ الأُنسِ صَعْبَــــــــان | |
35 | أرثِي لِحَـــالِي وثَــــوْبُ الوَجْدِ مُنْسَـــدِلٌ | فلَو رَأيْتَ رِداءَ الوَجْــــدِ يغْشانِــــــــــــي | |
36 | إنْ كَـــانَ قــــد بَلَـــغَ الأقْمَارَ ذُو هِمَــــمٍ | إذا البَعِيدُ من الأفْـــــلاكِ كالــدَّانِــــــــي | |
37 | فما فَــضَــاءُ (سُلَيمـانٍ) وإنْ رَغِبُــــــوا | بُلـــوغَ غَايتِهِ دَرْبٌ لإنسَــــــــــــــــــــان | |
38 | تــــرَى نجـــــومَ تمِيــــمٍ فيـهِ شَـــارِقَــةً | علـى المَـــلايينِ مِنــــــا بالسَّنـا السَّـانـي | |
39 | باتُوا لنَـا قُــدْوَةً فــي إثْـــرِ مَنْ سَلَفُـــوا | مِنْ قَبْــلِ عُثمَــانَ أو مِنْ بَعْدِ عُثْمَـــــــان | |
40 | عاشُـــوا زَمَـــاناً وبَانُــوا عَــنْ مَرَابِعِهِمْ | فَبِــتُّ لا أتَّقِــــي بَـــــــرْداً سَيَلْقَــــــــانـي | |
41 | قــد عَّــودَتْنِي لَيَـــالِي وَصْلِهِــــمْ صِـــلَةً | صَالتْ بِهَا النَّفْسُ فِي مَيْـــــدَانِ فُرْسَــــان | |
42 | طَوْراً علَى الطُّوْرِ أمْشِـي فِي مَنَــــاكِبِـهِ | أَحُـثُّ فِي قـِــمَـــــمِ العَلْيَـــــاءِ سِيْقَــانِــي | |
43 | ومَـــــرَّةً غُصَــصُ الأيـَّــــــامِ تُلْجِمُنِــي | مَــــرَّتْ كَـــــــذَاكَ فَأَلْحَـــــاهَا وتَلْحَــانِي | |
44 | وتَـــارَةً وَلَــهِــي فِــي إِثْـــرِمَنْ عَبَـــرُوا | جَسْــرَ الحَيـَــاةِ إلى عَفْــــوٍ ورِضْـــــوان | |
45 | أهَاجَ عَيْنِــي بَدِيْـــعُ الشِّعْـــرِ فانْطَلَقَـــتْ | كَــــــوَابِلٍ بِغَـــــزِيْرِ الوَبْلِ هَتَّــــــــــــان | |
46 | مَـا نَـابَ عَـــنْ دَمْعِ عَيْنِي نَظْــــمُ قَافِيَتِي | ولا تَبَــــدَّلْتُ جِيْـــرَانـــــــاً بِجِيْــــــــران | |
47 | مَـــازِلْتُ أُرْسِــلُ آهَاتِــــي تُشَيِّعُــــــهَا | علَــى (سُليمـانَ) عِيْنِــــي بِالـدَّمِ القَـــانِي | |
48 | أرْسَلْتُهَـــا مِـنْ سَــرَاةِ الحَجْـــرِ سَابِــحَةً | شُكْـراً لِمَنْ فِي رُبَاهُمْ سِـــــرُّ رِضْـــوَاني | |
49 | إلــى رِجَــــالٍ بِــــدِيْنِ اللهِ قـد نَهَـضُـــوا | شُمَّاً صِلاباً كمَنْعَــاءٍ وثَــرْبَـــــــــان([19]) | |
50 | إنْ مَــاجَ بالنـــاسِ أهْــــوَاءٌ مُصَدِّعـَــــةٌ | تَحَـــــدَّوُا الصَّـــدْعَ في حَزْمٍ وإِيْمَـــــــان | |
51 | ومِنْ رُبَى النَّجْـــدِ نَحْـــوَ الأزْدِ سَـائــرةً | بِهِـــمْ قَـــوَافِـــــــلُ أشْيَـــاخٍ وشُبّـــــــــان | |
52 | مُنَاخُهَا فِي عُلا تَرْجٍ([20]) ورائدُهُـــــــا | فِي رَوْضَةٍ بَيْـــنَ قنطانٍ ونشْيــــــان([21]) | |
53 | أقـــامَ سُـــــوقَ الرِّضَـــا بِـــالله خَالِقِــــهِ | في دَوْحَـةِ العِـــــــزِّ فِـي شَوْقٍ وسُلْـــوَان | |
54 | تَوَكُّــلٌ دَائِـــمٌ فِــي نَــهْـــجِ سِيـــرَتِــــــهِ | ويَنْتَقِـــي مَــا يَــــــــرَاهُ خَيْـــرَ عُنْــــوان | |
55 | يَبْنِـي العِـرَاصَ الخَــوَالِـــي قَبْـلَ مُدْخَلِـهِ | مِنْ بَابِ رِضْـوانَ أو مِنْ بَـــــابِ رَيَّـــان | |
56 | بالــذكرِ والفِكــــرِ والقـــرآنِ يَدْرُسـُــــه | وناصِــعٍ مِــنْ مَعَــــــانِي خَيْـــرِ بُرْهَـــان | |
57 | تـــلك الديـــــارُ الـتي مَــازالَ يَعْمُـرُهَـــا | حتى رأى في رُبَــــــاهَـا خَيْــرَ بُنْيَــــــان | |
58 | فــــي قَلْـبِهِ لِقُـــلُـــوبِ الناسِ أوعِيَـــــةٌ | تَوَاصَلَـــتْ بَيْــنَ شـــــرْيَــانٍ وشرْيَــــان | |
59 | عَــــــلا عَلَــى قِمَّتـــَــَيْ مَنْعَــا يُبَادِلُهُــــا | رَجْعَ الصَّــدَى بَيْــنَ آكَـــــامٍ وَوِدْيَــــــان | |
60 | ولاحَ مِــــنْ قِبْلَـةِ المَطـْـلَـى لَــهُ شَمَـــــمٌ | ورَهْوَةُ السَّبْـتِ مِنْ شَــرْقِيِّ ظَبْيَـان([[22]]) | |
61 | سَمَــا بِـــهِ المَجْــدُ مِـنْ نَجْـــدٍ فأسْكَنَـــهُ | نَبْضَ القُلُــوبِ فأحْيـــــاهَــا وَأحْيَـانـــــي | |
62 | يقُـــومُ مِـــنْ ليلِــهِ يخْــلُـــــو بِخَـــالِقِــه | يَقُـولُ قَصَّـرْتُ فـارْحَــــــمْ ذِلَّةَ الجَانـــــي | |
63 | مُسْتَأنِســــاً بالــدُّجَى فـي كُـــلِّ مَوْعِظَـةٍ | مُشَتِّتــــــاً شَمْــلَ ذِي إفْــــكٍ وبُهْتَــــــــان | |
64 | ومَـزَّقَ الشِّــرْكَ بالتوحيـــــدِ إذْ عَصَفَتْ | بالشـــركِ نِيْــرَانُهُ فــــــي كُـلِّ مَيْــــــدان | |
65 | وخَـاطبَ الرَّاسِيـَـــاتِ الشُّـــــمِّ مِقـْوَلُـــهُ | والسَّاكِنِيْنَ بِهَــا مِـــنْ كُـــــلِّ إنســــــــان | |
66 | عَـنْ قَــابَ قَـوْسَينِ أو أدْنَـى يُنَــــاشِدُهُـمْ | صِـــدْقَ القَـــرَارِ عَلى نَهْــجٍ وبُرْهَـــــان | |
67 | يدعُـو الجُمُــوْعَ ولَكِــــنْ لا يُصَــاحِبُـــهُ | إلا دُعـَــاةُ الهُــــدَى مِـنْ خَيْــــــرِ إخـوان | |
68 | وبيـنَ مَـنْ زَارَ أوْ مَـنْ زارَهُ رَحِــــــمٌ | لله فــي الله لا فـــي مَقْصَــــــــدٍ ثَــــــــان | |
69 | لِــذَا وذَاكَ يَـــرَى فَــرْضــــاً تَـــــــوَدُّدَهُ | في العُسْـرِ واليُسْـــــرِ للقَاصِي ولِلـــدَّاني | |
70 | فَيَعْتَلِـــي بِخُشُــــــوعٍ فَـــوْقَ مِنْبَـــــــرِهِ | يَشُـــدُّ مِــنْ أزْرِ إخْـــــــــوَانٍ وخِــــــلان | |
71 | يَصُوْغ مَوْعِظَةً فِــــي حُـــبِّ خَـــــــالِقِهِ | تَفُوْزُ بالسَّبْـقِ بَيْـــــنَ الإنْسِ والجَـــــان | |
72 | وخالصُ القَصْدِ للمَحْبُــــوبِ غَـــايَتُـــــهُ | ونَهْـــجُهُ بَيْنَ أصْحَــــــابٍ وجِيْــــــــرَان | |
73 | والقَصْــدُ بالحُبِّ فـــي التوحِيدِ مَنْقَبَــــــةٌ | عَظِيْمَــةٌ أُعْلِنَــــتْ فِــي نَصِّ قُـــــــرآن | |
74 | يُمَـــجِّـدُ اللهَ والتوحيــــــدُ غايتُـــــــــــــهُ | ولم يَكُنْ نَهِماً يَسْعَـــــى لِسُلْطَـــــــــــــان | |
75 | لا يَرْتَضِي غَيْـــــرَ مَا يَـرْضَـــاهُ خَالِقُــهُ | ممَّـــا يُبَاعِدُهُ عَـــنْ شــــَـــرِّ خِـــــــذْلان | |
76 | لا يَمْتَطِــي لِلتُّقَــى فـــي رَكْـبِ رحْلَتِـــهِ | إلا الـرِّضَـا بِالقَضَا في ظِــــــلِّ بـُـــرهان | |
77 | ولا يعُـــــوجُ إلى الدنيــــا وإن كثُــــرَتْ | إلا إلـــى القُــــــــوْتِ مِــــنْ آنٍ إلــــى آن | |
78 | وناصَبَ السُّوْءَ([23]) في الدنيا عَدَاوَتَهُ | وقــال :مِيْعَــادُنَا فِي دارِ رِضْــــــــــــوان | |
79 | وبالتَّوَاضُعِ – نِعْمَ الخُلْـــقُ – قـال لنـــا : | الكِبْـرُ فِي النارِ مَهْـوَى كُلِّ شَيْطــــــــــان | |
80 | رَفِيْـــقُ دَرْبِ الــــرَّدَى مِنْ أصْلِ خِلْقَتـِهِ | مَكْسُـــوْرُ حَــــظٍ رَمَـــادٌ بَعْـدَ نِيْـــــــرَان | |
81 | أمَــاطَهُ عَــنْ رُبَـــى التَّقْــــوَى وأبْعَـــدَهُ | عَنْهَــا وَعَــنْ صِفَتَيْ حُسْـنٍ وإحْسَـــــــان | |
82 | كَــذَا قَضـَـى نَحْبـــَهُ حَقّـــاً وقَـــدْ شَهِدَتْ | طَوَائِفُ الناسِ مِنْ قَــــاصٍ وَمِـــــنْ دَانِ | |
83 | قُلْتُ الــذي قُلْتُ فِي مَضْمُــوْنِ دَعْــــوَتِهِ | أرجُــو بِهِ عَفْـــوَ هَـــــادِي كُلِّ حَيْــــرَان | |
84 | وقُلْتُ مُسْتَنْزِلاً سُحْبَ السَّمَـــا مَــــــطَراً | عَلَــى (الشِّنَــــانَةِ) مِــنْ آنٍ إلــــــــى آن | |
85 | غَيْثاً مُغِيْثاً عَلَى أرْجَائِهَــــا غَـــــــــــدَقاً | يَسْقِي النَّوَاحِـي بِصَـــــافِي الوَبْلِ هتّـــان | |
86 | يَرُوْدُهَا ضَاحِـكاً يَغْشَــــى مَنَــازِلَهَـــــــا | يَرِيْـــضُ فَيْهَـــــا عَـلَى نَخْـــلٍ وَرُمَّـــــان | |
87 | عَلَى رُبَـاهَا وَفِي آفَــاقِهَــــــا دَرَجَــــــتْ | سُيُوْلُـهُ عَبْــــرَ وَاحَــــــاتٍ وَوِدْيَـــــــــان | |
88 | بِهَـــــا النَّخِيْـــــلُ التِـــي تَزْهُوْ بِقَامَتِهَــا | تُمِـــــدُّ قَاصِدَهَــــا جُـــــوداً بِقِنْـــــــــوَان | |
89 | حَدَائِـــقُ النَّخْـــلِ وَالــــــــرُّمَّانِ بَاسِقَــةٌ | بِحُسْنِهَا الجَـــمِّ فَاقَتْ حُسْنَ بَطْحَانِ([24]) | |
90 | فَرَحْمَةُ الله تَغْشَـــاهَـــــا وَسَـــاكِنَـــــــهَا | وَسَـاكِنَ (الـرَّسِّ) فِــي رَوحٍ وَرَيْحَــــان | |
91 | أرضٌ تـَرَجّلَ فِيْهَـــا للنَّـــدَى رَجُـــــــــلٌ | خِـــــلٌ وَفِــــيٌ تَـــرَبَّى بَيْـنَ خِـــــــــــلان | |
92 | مَنَـــارَةٌ للتُّقَـى فِـــي إثْـرِ مَنْ شَـــــرُفَتْ | بِهِ البَــــرِيَّـــةُ مِــنْ أبْنَـــاءِ عَدْنَــــــــــان | |
93 | رَمْــزُ الـعُلا لِوُفُوْدِ الـــدَّارِ صُبْحَ مَسَــــا | سَمْحُ المُحَيَّــــا بِيُسْــــرٍ أوْ بِحِرْمَــــــــان | |
94 | شيخُ المَعَـــــالِي رَضِيُّ النَّفْسِ فِي دَعَـةٍ | يَسِيْــــرُ مُبْتَهِجـــاً سَيْـــــــراً بِحُسْبَـــــان | |
95 | يُسَامِـرُ النَّجْـــمَ فِـي مِحْـــرَابِ مَسْجِــدِهِ | كَـــذَا حَسِبْنَــاهُ لَمْ نَنْطِــــقْ بِبُهْتَــــــــــان | |
96 | أرْجُـو لَـهُ وَلَنَـــــا عَفْـــــواً وَمَغْفِـــــــرَةً | وَلْيَحْفَظِ اللهُ نَسْـــــلا مِنْ (سليمــــــــــان) | |
97 | قـــومٌ عَلَى هَــــامَـــةِ الدُّنْيَا مَنَابِـــرُهُـــا | تَـــــدْعُــو إلى اللهِ فِي سِــــرٍ وَإعْــــــلان | |
98 | هُــمُ الرِّجَالُ الهُـــدَاةُ الغُرُّ غَايَتُهُـــــــــمْ | عِزُّ العَقِيْــــدَةِ فِي صِــدْقٍ وإيْمَـــــــــــان | |
99 | هُمُ الرِّجَالُ وَمِــــنْ أسْمَــــى مَطَالِبِهِــــمْ | هِدَايَـــةٌ تَتَــــوَلَّــــى كُـــل إنْسَـــــــــــــان | |
100 | هُمُ الدُّعَاةُ لِــــدِيْنِ اللهِ مَــــا طَلَعَـــــــــتْ | شَمْسٌ عَلَـى جَبَلَيْ رَضْــــــوَى وثَهــلان | |
101 | فِــي طَاعَةِ اللهِ أفْـــوَاجُ الهُدَى رُفِعَــــتْ | رَايَـــــــاتُهَا فَـــوْقَ آكَـــــامٍ وَكُثْبَـــــــــان | |
102 | بَشَّرْتُهُمْ بِالذِي كُنَّـــا نُؤَمِّلُـــــــــــــــــــهُ | و بِالـــذِي قــد سَمِعْنَـــــــا مِنْ (سليمـان) | |
103 | كُنَّــــا (بِمِعْلامَةٍ)([25]) فِي رُكْــنِ مَسْجِدِهِ | أوْ مُنْتَــــــدَى بَيْتِـهِ فِـــي رَوْضَــةِ البَـــان | |
104 | مِنْ مَنْهَلِ الـــوَحْيِ فِي المِحْرَابِ مَنْهَلُهُمْ | مِنْ سُنَّــــةِ المُصْطَـفَى مِــنْ نَـصِّ قُــرآن | |
105 | كَـذَا عَلَــى كُــلِّ حَــــالٍ فِي حَيَاتِهِــــــــمُ | وَفِــي سِبَــــاقِهِــمُ فِـــي كُــلِّ مَيْـــــــــدان | |
106 | تَــأتِي المَعَــــالِي إلى أعْتَـــابِهِمْ ذُلُــــــلا | مَسْـــــــرُورَةً رَغْــمَ حَسَّـــــادٍ وشَنْـــــآن | |
107 | وَجَــاوَرَتْ فِي رُبَــــــاهُمْ كُلُّ مَكْرُمَـــــةٍ | وَأغْضَبَتْ فِي رِضَــــاهُـمْ كُـــلَّ شَيْطــان | |
108 | ولامَسَـتْ فِي حِمَـــاهُـــمْ كُلَّ طَارِفَــــــةٍ | وكُـــلَّ تَـــالِــــدَةٍ مِـــن عَهْـــدِ عَدْنَــــــان | |
109 | تَـــدُومُ مَا دَامَتِ الدُّنْيَـــا وَمَـا بَقِيَــــــــتْ | تَسِيْـرُ فِــــي رَكْبِهَــا الحُسْنَـى بِإحْسَــــان | |
110 | لَهُمْ مَلائِكَـــةٌ نَـــــادَتْ مَلائِكَـــــــــــــــةً | هَلُـــمّ نَسْعَــــى إلى ذِكـْــــرٍ وقُـــــرآن | |
111 | صَلَّتْ عَلَيْهِــمْ صُفُــــوفاً فِي صَـــــلاتِهِمُ | وآنَسَتْهُـــمْ وَعَـــزَّتْ فِــــــي (سليمـــان) | |
112 | وبـَـــادَرَتْهُ بِأمْـــــــرِ اللهِ قَائِــــلَـــــــــــةً | ألاَّ تَخَافَ، ولا تَحْزَنْ عَلَـى شَــــــــــــأن | |
113 | وقَابَـــلَتْهُ بِلُطْـــــــــفِ اللهِ قَائِــــلَــــــــةً: | أبْشِــــرْ بِعَفْـــوٍ وَإحْسَـــانٍ وَغُفْــــــــرَان | |
114 | مَا جِئْتُ أمْــــدَحُ لَكِـــــنْ جِئْتُ مُبْتَهِــــلاً | إلى كَـــرِيْمٍ عَظِيـْـمِ العَفْـــوِ مَنَّــــــــــــان | |
115 | يَعْفُـــو وَيَصْفَــــــحُ عَمَّــــا كانَ مِنْ زَلَلٍ | فَنَلْتَقِــي وَهُـــمُ فِي بَـابِ رِضْــــــــــــوان | |
116 | نَحْظَــى لَدَى خَـالــــِقِ الدُّنْيَــــا وَضَرَّتِهَا | بِخَـــــيْرِ نُزْلٍ وإكْـــــرَامٍ وإحْسَـــــــــــان | |
117 | فَقُمْتُ أدْعُــو بِبَـــــابِ اللهِ مُنْتَحِبـــــــــــاً | يَارَبّ يَـارَبّ فِــي ضَعْـفٍ وإذْعَـــــــــان | |
118 | تَعْفُــو عَـن المُذْنِبِ النـــَّدْمَــــانِ لَيْسَ لَـهُ | إلاكَ يـَا مُذْهِبـــاً أحْــــزَانِ نَـــدْمَـــــــــان | |
119 | تَعْفُـــو بِلُطْفِــكَ عَمَّـــــــنْ ذَنْبُــهُ جَلَـــــلٌ | يَسِيْـــرُ فِـــي ظِلِّ تَوْحِيْـــدٍ بِإيْمَـــــــــــان | |
120 | سَيــرَ الكَسِيْرِ الذي قد عـَـــــاقَهُ سَبَــــبٌ | عَن عَادِيَـاتٍ وعَنْ طَيْـــرٍ بِجِنْحَــــــــــان | |
121 | وفِي الخِتَامِ أُحَيِّيْ (الرَّسَّ) كَــــمْ صَنَعَتْ | مَجْداً، وَكَمْ نَشَرَتْ نُوْراً لِحَـــيْــــــــــرَان! | |
122 | كَمْ قَدَّمَتْ لِحِمَى الأوطَـــــانِ مِـــــنْ بَطَلٍ | مُــــدَرَّبٍ غَــــيْرِ هَــــيَّابٍ وَلا وَانِــــــــي | |
123 | يَا سَائِلي عَنْ أُسُودِ(الرَّسِّ) مَا صَنَعَتْ؟ | خُــذِ الجَـوَابَ بِتَحْقِــــيْقٍ وَبُـــرْهــــــــان | |
124 | (الرَّسُّ) قدْ وَضَعَتَ فِي المَجْـدِ بَصْمَتَهَـا | حتى أقَرَّ لَهَـا القَاصِي مَعَ الدَّانِــــي([26]) | |
125 | و(للشنانةِ) مِنْ بَيْنِ القُرَى شَــــــــــرَفٌ | فاستَشْهِدِ الكُتْبَ عَنْ وَعْيٍ وإتْقَــانِ([27]) | |
126 | كَمْ صَاحَبَتْ فِي مَسَارِ المَجْــــــدِ رحْلَتَـهُ | عَلَى تَعَاقُبِ أحْدَاثٍ وَأزْمَـــــــــــــــــــــانِ | |
127 | تَـــرْعَى حَنِيْفِيَّةَ الإسْلامِ كَوْكَبَــــــــــــــةٌ | هُـــمْ للمُــوحِّدِ كانُوا خَيْـــرَ إخْــــــــــوانِ | |
128 | وحِيْنَ لاحَتْ بُرُوقُ النَّصْــــرِ سَاطِعَـــــةً | تُشَاكِسُ المَــوتَ فِــي تَوْحِيْدِ أوْطَـــــــانِ | |
129 | والحَمْدُ للهِ حَمْــداً لَسْــتُ أسْتـُـــــــــــرُهُ | عَن العَـذُوْلِ وَلا عَنْ مُشْــرِكٍ شَانِــــــــي | |
130 | وألــفُ ألــفٍ سَـــلامُ اللهِ مُتَّصِــــــــــــلاً | مَــدَى الحَيَـاةِ عَلَى مَثْـوَى (سليمــــــان) | |
131 | وألفُ الفٍ صَـــلاةُ اللهِ مَــــا سَجَعَــــــتْ | وُرْقُ الحَمَـامِ عَلَى دَوْحٍ وَأغْصَـــــــــــان | |
132 | على نَبِـيٍ الهُــدُى أزْكَــى الخَلِيْقَةِ مَــنْ | طابتْ أرُوْمَتُهُ مِنْ نَسْلِ عـــدنــــــــــــان |
ولعل في هذه الصفحات السابقة المختصرة جداً بمعلوماتها الموجزة ما يفيد عن البعد المكاني لصاحب الترجمة بما تقتضيه الترجمة ذاتها، ففي هذه البيئة تتحدد معالم شخصيته، حيث نشأ الشيخ عبدالله في بيئة دينية محافظة، وأسرة متدينة، وهذه البيئة زراعية حرفية قائمة على التعاون الاجتماعي، كما أن البيئة المجتمعية لها تاريخ من الشجاعة والكرم، والعمل التعاوني الخيري، مكتفياً بهذا عن الشنانة والرس ليكون فيما بعد ذلك بحثاً مستقلاً.-إن كتب الله في العمر بقيَّة- ليضيف بعض المعلومات التاريخية وما تتطلبه الكتابة من تفسير للأحداث والوقائع التاريخية في كتاب تحت التأليف.
******
الهوامش (المراجع والمصادر):
([1]) يلاحظ أن الجنود المصريين الغزاة قد عسكروا أكثر من مرة في الشنانة ولعدة أشهر، بل إنهم أطلقوا على مكان معسكرهم (حزم النظام) ولا زالت هذه التسمية معروفة حتى اليوم، والموقع هو: شمال مزرعة العميري وغرب الخط الدائري الغربي للرس.
([2]) انظر معلومات إضافية عن الرس والشنانة كتاب تحت التأليف للمؤلف بعنوان: (الرس والشنانة ودورهما التاريخي).
([3]) انظر: محمد ناصر العبودي، معجم بلاد القصيم، الجزء الثالث (خ – ش) الطبعة الثانية 1410هـ – 1990م.
([5]) انظر: محمد ناصر العبودي، معجم بلاد القصيم، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض- السعودية الجزء الثالث (خ – ش) الطبعة الثانية 1410هـ – 1990م.
([6]) عبدالرحمن بن عبدالعزيز الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض- السعودية، ص 13.
([7]) تقع على طريق الرس – الشنانة العام في مفترق طريق مرقب الشنانة.
([8]) سليمان بن عبدالله العميري من مواليد عام 1340هـ، وهو مزارع قديم مع والده في الشنانة السفلى، ولديه معلومات دقيقة عن أسر الشنانة القديمة، وتوفي – رحمه الله- في عام 1433هـ .
([9]) كون المرقب بُنى في أملاك البواهل قد يساعد في البحث التاريخي عن الباني الحقيقي والممول لبناء المرقب زمن تشييده، وتاريخ بنائه المختلف عليه.
([10]) يلحظ تسمية (حزم النظام) أن أصل التسمية أُطلقت من قبل جيش طوسون باشا الذي عسكر بعساكره المنظمة غرب الشنانة حوالي خمسين يوماً وذلك في عام 1230هـ، وقد آل الموقع المذكور لغيلان العنزي، وابنه صالح من بعده.
([11]) تم السماع والاستقصاء عن هذه المعلومات السابقة من المذكور عدة مرات مشافهةً منه في شهر رجب 1430هـ، وفي أعياد رمضان عامي 1431هـ، 1432هــ بحضور ابنه عبدالله، وعبدالرحمن بن سليمان السلومي وغيرهما.
([12]) انظر للمزيد عن الصويان المؤلف عبدالرحمن الصويان، (صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي)ص18.
([13]) سبق ذكر أبرزهم في كلام العميري سابق الذكر.
([14]) رغم وفاة أحد أبنائه وهو منيع قبل أبيه.
([15]) انظر كتاب: (سليمان بن ناصر السلومي- الشخصية والرسالة) للمؤلف، من إصدارات مركز القطاع الثالث للاستشارات والداسات الاجتماعية (قطاع) الطائف- السعودية، الطبعة الأولى 1434هـ ص68، ص211.
([16]) الشاعر هو الشيخ محمد بن عبدالله بن ناشع الشهري، وهو الشيخ المربي، والشاعر المعلم، مدير تعليم محافظة النماص سابقاً، من أصدقاء ومحبي سليمان السلومي رحمه الله. وقد وصفها الشاعر الشيخ محمد بن عائض القرني بعد مراجعته لها بأنها بركان من المشاعر، تلك القصيدة التي فاضت بها قريحة الشاعر محمد الشهري تجاه (الرس والشنانة) التي أنجبت المعني بالقصيدة وأمثاله من الرجال، وكان للبلدتين أدواراً تاريخية في إرسال المطوِّعين للهجر والقرى، كما سجَّل التاريخ لتلك البلدتين صفحات جهادية وبطولية مشرقة.
([17]) أصل هذه القصيدة كاملة مئة واثنان وثلاثون (132) بيتاً من الشعر، وهي من عيون الشعر في المبحث الأخير من الكتاب المعني بترجمة (سليمان بن ناصر السلومي – الشخيصة والرسالة- دور المطوعين في الوحدة الفكرية) المتوفى عام 1399هـ (عميد أسرة السلومي)تأليف محمد السلومي، والمذكور هنا اختيارات من القصيدة عن رثاء المطوع والمعلم الداعية المعروف في بلدة الشنانة من القصيم، المساهم في التوطين الدعوي في بلدة مسكة، ثم في الشنانة، ومن بعدها ضرية، ثم مهد الذهب ونسبه كالتالي: سليمان بن ناصر بن سليمان (السلومي) بن محمد بن هويشان، من آل مشرف من الوهبة من تميم، والكتاب معني بالترجمة عن المذكور.
([18]) أم إبراهيم هي زوجته الأخيرة وأم أولاده الصغار وقد فجعت بوفاة زوجها.
([19]) منعاء وثربان: هي جبال مُكوناتها صخرية صلبة وتقع في بلاد بني شهر (بلد الشاعر).
([20]) ترج: اسم واد من وديان جنوب المملكة في بلاد بني شهر.
([21]) قنطان ونشيان: لعل المقصود باللفظين: بعض الأمكنة المعروفة للشاعر في جنوب المملكة أومن القنوط والنشوة والصواب نشوان.
([22]) يلاحظ ورود أسماء أماكن كثيرة من بلاد الشاعر (بلاد بني شهر) في القصيدة ومنها: المطلى، صعبان، ترج، ظبيان والمطلى: جبل عالٍ في بني عمرو المحاذية لبني شهر وهو موقع لقبيلة بني سلامة اجداد الإمام الطحاوي صاحب كتاب العقيدة الطحاوية ، والسبت اسم سوق مشهور في بلاد الشاعر.
([23]) أكد الشاعر أن الممدوح مناصبٌ ومعادٍ للسوء والسيئات، ولعل الشاعر أراد تنزيه ممدوحة عن كل ما يخل بالمروءة.
([24]) بطحان وادي مشهور بالرمان الفاخر في بلاد زهران جنوب المملكة، وقد زادت الشنانة على وادي بطحان بنخيلها وحسن رمانها.
([25]) معلامة: مكان تعلم القراءة والكتابة في المسجد وفي غيره وهي: (لهجة جنوبية).
([26]) يرمز الشاعر إلى بصمة الرس التاريخية في هزيمة جيش إبراهيم باشا وقد تميزت بذلك عن سائر البلدان.
([27]) يحث الشاعر القارئ على الرجوع للمصادر والكتب التاريخية لقراءة استنزاف الشنانة لابن رشيد وانتهاء أبرز خصوم الدولة السعودية الثالثة آنذاك، وذلك فترة التأسيس وتوحيد الوطن السعودي.
لا توجد تعليقات