تقديم معالي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
تنطلق الدراسة العلمية التي قدمها الدكتور محمد السلومي في كتابه القطاع الثالث والفرص السانحه من حقيقة أن القطاع الثالث -المنظمات غير الحكومية، وغير الربحية، ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني- يعد شريكا أساسياً ومكملاً في جميع عمليات التنمية في الدولة الحديثة. ويشير الكاتب إلى أن الأمة الإسلامية قادرة بما حباها الله تعالى من تشريعات (كالوقف والزكاة والتطوع والتبرع…) جديرة بأن تكون أمة قوية في شراكة الإدارة العالمية لقضايا العالم. كما طرح المؤلف نظرة مستقبلية لحال مؤسسات القطاع الثالث عالميا، وفي الدول المسلمة على وجه الخصوص،
وأكد الباحث على أهمية العمل بمفهوم القطاع الثالث في ظل التحديات والعوائق التي تواجه الأمة الإسلامية، داعماً كل ما سبق بالأدلة المستندة إلى البحوث والدراسات والإحصائيات، ضاربا أمثلة من الواقع المعاصر، وخاصة التجربة الأمريكية الناجحة في هذا المجال.
كما انطلق الكاتب من حقيقة أن القطاع الثالث جزء من واقع الإدارة الحديثة للدولة القائمة على القطاعات الثلاثة: (الحكومي/ الخاص/ الخيري وغير الربحي والمدني)، حيث يعتبر مسدداً ومكملاً, بل وموجهاً أحياناً للقطاعين الحكومي والخاص؛ فهو قوة إدارية مساندة للقطاع الحكومي، يعمل على سد ثغراته، ويعالج تقصيره، ويقوي نفوذه، ويكسبه قوة اقتصادية وسياسية، ويستفيد من نتاج دراساته العلمية في تخفيف الضغوط الخارجية، وهو مساهم فعال في دعم السلطات الثلاث (التشريعية, التنفيذية, القضائية)في الدولة، وتخفيف الأعباء عنها. كما أنه يكبح جماح وجشع القطاع الخاص، ويهذب سلوكه، إضافة إلى أنه يستوعب جميع ألوان الأعمال والبرامج التطوعية، وينظمها ويوجهها الوجهة السديدة. ويرى الباحث أن للقطاع الثالث أهمية اقتصادية خاصة في مجال توطين الموارد المالية في قطاع الخدمات؛ فهو مشارك فعال في النشاط الاقتصادي، ومن أكثر القطاعات نموا في مجال التوظيف في الدول المتقدمة ـ كما تشير الدراسات ـ كما أنه من عوامل الاستقرار السياسي والقوة الخارجية لها, فله أهمية قصوى في تقوية السياسات الخارجية للدول من خلال الأذرعة الثقافية والإغاثية.
كما أن هذا القطاع بحكم استقلاله له دورفعال في مسيرة الإصلاح في جميع قطاعات الدولة من خلال التوجيه العلمي السديد، والنقد البناء للإدارة الأمريكية؛ ولذا تنفق الدول الغربية مليارات الدولارات على مراكز الأبحاث.
ويرى الكاتب أن للقطاع الثالث في العالم العربي والإسلامي أهمية استراتيجية تعزز دوره، وتؤكد فعاليته ومن أهميتة التصدي للحروب وآثارها,واستثمار العولمة, واستيعاب اليقظة الدينية, وترشيد الصحوة السياسية والإجتماعية, إضافة إلى أهمية معالجة التعصب الديني, والتعامل مع استراتيجية الآخرالعدوانية وتوطين الموارد النقدية والإقتصادية وغير ذلك.
إننا وبحكم مسؤولياتنا في العالم الإسلامي نؤيد ما سبق ذكره ونضم صوتنا إلى صوته, لاسيما أن مؤسسات القطاع الثالث ترتبط بسياسات دولها، وتنبثق من دستورها، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية؛ نظراً لنجاحها المشهود في هذا المجال والمذكور في هذا الكتاب. لاسيما أن العامل الديني عنصر نجاح وهو ( المتمثل في أن المال مال الله، والأفراد مؤتمنون عليه، وعليهم توجيهه لمصلحة الآخرين) كما ورد في بعض أقوال المفكرين الغربين أن الدين دافعٌ رئيسي في تشكيل هذا القطاع ونجاحه في الولايات المتحدة الأمريكية.
القطاع الثالث –كما ذكر المؤلف- يقوي الفكرة الرئيسة للهويات الوطنية التي قامت عليها الدول وأهمها الهوية الدينية، وعليه فلا بد من دعمها وتقويتها بكل السبل، ومن ذلك تسخير إمكانيات القطاع الثالث بكل مؤسساته وجمعياته المحلية والعالمية للمصلحة الوطنية، وخدمة الدستور والأهداف القائمة على الفكرة الرئيسية, وقد ذكر المؤلف إحصائيات تلفِت النظر, ومن ذلك أن القطاع الثالث في الولايات المتحدة الأمريكية يقوم على أكثر من 1.6 مليون منظمة، وتبرعات سنوية فاقت (316) مليار دولار، ويعمل به (11) مليون موظف، و (90) مليون متطوع ـ حسب إحصاء عام (2008م). وبهذا يتأكد أن القطاع الثالث عالمياً ينطلق من الفكرة الرئيسية، ويعمل لها في الغالب. والعامل والدافع الديني من عوامل نجاح هذا القطاع عالمياً؛ مما انعكس إيجابياً على قوة الدول التي تعمل به.
كما أن هذا القطاع يقوي السيادة الوطنية فالسيادة مطلب للدول، وتستمدها من الفكرة الرئيسة التي قامت عليها، وخاصة إذا استندت الفكرة الرئيسة على معتقد ديني ـ كما سبق ـ ، فدعم بقاء وقوة الفكرة الرئيسية للدولة – أي دولة – في المجالات التنفيذية لا يمكن أن يكون بمؤسسات القطاع الحكومي وحدها، بل إن الجانب التنفيذي لذلك كله هو لمؤسسات القطاع الثالث التي تعمل تحت دستور الدولة ولصالحه.
والقطاع الثالث، بذراعيه الداخلي والخارجي، قوة إدارية وسياسية للدول التي تعمل به؛ فهو شريك أساسي في تقوية العلاقات الخارجية لأية دولة من خلال المراكز الثقافية والدينية الخارجية، كما أن الذراع الخارجي للدولة ( جمعيات القطاع الثالث العاملة بلا حدود ) تعتبر أداة قوة خارجية وداخلية للدولة، وتستطيع من خلالها تسويق إيديولوجياتها. وبقدر ما ترتبط مؤسسات ومنظمات القطاع الثالث بالإيديلوجية الرئيسية للدولة وتصبح جزءاً من استراتيجيتها – كما هو حال دول الشمال- تكون القوة الداخلية والخارجية، وبقدر ما تضعف تلك الرابطة أو تغيب تصبح مؤسسات القطاع الثالث معول هدم لإضعاف الحكومة والدولة، ومدخلاً خارجياً أوداخلياً لإضعاف الفكر والثقافة واللغة الوطنية وأنماط الحياة الاجتماعية.
أجاد المؤلف كثيراً في إعطاء رؤية مستقبلية عامة في جميع فصول الكتاب, بل وقدم حلولاً إستراتيجية لمشكلات إخفاقات بعض جوانب التنمية ومعالجة حالات الطواريء في العالم الإسلامي , وركز المؤلف هذه الرؤية المستقبلية في الفصل الخامس والسادس بمعطيات علمية مقارناً بين الرؤية التشاؤمية والتفاؤلية ليخرج بنتيجة تفاؤلية إلى حد كبير أن العالم الإسلامي يمتلك كل مقومات النجاح لمؤسسات القطاع الثالث سواء في التشريعات الدينية من تطوع وتبرع وزكاة وأوقاف أو من نجاح التجربة التاريخية من خلال التطبيقات عبر عصور الحضارة الإسلامية.
إضافة إلى ما يمتلكه العالم الإسلامي من ثروات وإمكانيات قوية وكافية لمنافسة القطاع الثالث في دول الغرب والشرق, وبدعم من الإدارة السياسية سوف يصبح هذا القطاع قادراً على وضع نفسه ودوله في موضع المنافسة الحضارية لدول العالم.
فالفرصة اليوم سانحة للمسلمين أن يتبوؤا مكانهم اللائق بهم، وأن يُفعِّلوا دور مؤسساتهم الإجتماعية والخيرية والانتقال بها إدارياً إلى مفهوم القطاع الثالث لتتمكن من العمل بعوامل القوة من تبرع وتطوع وتشريعات وإمكانيات بشرية ومالية متاحة, لتقدم الكثير على المستوى المحلي والدولي. خاصة أن الإسلام ـ وكما يرى الباحثون الغربيون، ومن خلال المؤشرات والدراسات ـ في صعود مستمر ، وهو الديانة القادرة على تقديم الخيرية بلا حدود, والمؤهلة لعرض القيم الإنسانية للعالم مستقبلا, ويدعم ما سبق حتمية السنن الربانية.
شكراً للباحث الذي قدم عطاءه بدعم العلم والمعرفة لاسيما في هذا المجال البكر, وتقديري الكبير لجهده العلمي حينما كرَّس وقته وجهده للصالح العام , ووظف غيرته على دينه وأمته ووطنه بانتاج علمي يساهم في الإصلاح, ويوجه بوصلة التنمية في العالم الإٍسلامي وما أحوجه إلى مثل هذه البحوث والدراسات القائمة على البحث والرصد والتحليل. ودعائي للمؤلف ولكل صاحب قرار التوفيق والسداد, والأخذ بكل وسائل وأسباب النجاح حتى تستعيد أمة الإسلام عزتها وحضارتها. والله الموفق.
أكمل الدين إحسان أوغلى
1 / 1 / 1431 هـ
لا توجد تعليقات