ورد في (القسم الأول) من هذا المقال المنشور في صحيفة مكة، ما يوُضح عن شخصية معالي الشيخ الدكتور عبدالله نصيف -رحمه الله- (1358-1447هـ) في جوانب محطات حياته الخيرية، وفي هذا (القسم الثاني) تكملة حول جوانب حياته الخيرية من شهادات الشهود وكلمات عن عطائه الخيري والتطوعي.
– الخيرية شهادة وشهود:
كتب المهندس عبدالعزيز حنفي عن نصيف وصفاته الخيرية وعطائه من نفسه ووقته وماله، قائلاً: «الرجل الذي كان من خيرة من عرفنا ديناً وخلقاً ولطفاً وسخاءً، ذو وجه مشرق، كثير العمل قليل الكلام، صاحب أيادي بيضاء، كان محباً للجميع، ويحظى بمحبة الجميع. وقد كانت جنازته مشهودة… ومما تعلمتُ من الدكتور نصيف: إنكار الذات، فلم أسمعه يقول في أعماله “أنا”، بل دائماً يقول “نحن”، وهذا إنكار للذات، لذلك كان شديد الحرص على أن يكون العمل الخيري عملاً مؤسسياً سواءً داخل المملكة أو خارجها، لكي يُدوَّن ويستمر أجره بعد وفاته». [صحيفة البلاد: رحيل عبدالله نصيف رجل الدولة والعمل الخيري].
وأفاض الشيخ صالح بن حميد في الكتابة عن بعض جهوده الخيرية والتطوعية، وأنه صاحب مشروع ورسالة من خلال مسؤوليته في رابطة العالم الإسلامي حوالي عشر سنوات، مُمثلاً لمفاهيم الأمة المسلمة خير تمثيل، وسفيراً لبلاد الحرمين برسالتها، وذلك بقوله: «لم يكن الدكتور نصيف عالماً فقط، بل قائداً إدارياً، وسفيراً للإسلام في العالم. تولى مسؤولية الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وقد بذل جهداً كبيراً لجمع شمل المسلمين، ودعوة الناس إلى الإسلام بحكمة ولطف. أسس مؤتمرات دولية، وأرسل دعاة إلى كل أنحاء الأرض، فكان صوت الإسلام في محفل الأمم. وكان -رحمه الله- يرى أن هذا النوع من الأعمال يجتمع عليه أهل الإسلام؛ ليحقق من خلالها رفع واقع المسلمين في دولهم عن طريق التعليم، والإعلام، والاقتصاد، لتصبح تلك الدول رائدة في كل المجالات؛ ولتبني أوطانها، بالتعاون مع القيادات والحكومات فيها، وتنهض بهمة نحو المعالي في أمر الدين والدنيا» [صحيفة الجزيرة: سيرة العلم ومسيرة الفكر ونهج السماحة].
وقد جَمَعَ وكتب عبدالمجيد بن محمد العمري عن كثير من صفاته الخيرية، التي تؤكد أنه كان صاحب رسالة مع كل منصب يعمل فيه خادماً لأمته ومجتمعه وبلاده، ومما قال عن هذه الصفات: «نصيف عَمِلَ الخير منذ الصغر، ولم يبخل بوقته وجهده وماله، وحتى وجاهته، ليس في أعمال البر والإحسان في مدينة جدة أو منطقة مكة المكرمة وعموم مناطق المملكة، بل امتد أثره ونفعه إلى العديد من دول العالم العربي والإسلامي ومجتمع الأقليات المسلمة، وقد وقفتُ على ذلك عياناً في عدد من بلدان العالم من مساجد ومعاهد وجمعيات عمَّ خيرها الجميع، فقد عاش منذ شبابه وحتى مرضه، ساعياً في قضاء حوائج الناس مساهماً وباذلاً، شافعاً وناصحاً، والكل ينهل من بحره الفرات، ويقتطف من مكارم أخلاقه النائفات المتجاورات، ولم يكن محباً للخير فحسب، بل ومتجنباً أن يؤذي أحداً بقول أو فعل».
وكرَّر العمري عن صفاته الشخصية متعدية النفع، وهي محاسن مجتمعة أكرمه الله بها، ومما قال: «كان عفيف القلب سليم الصدر طاهر اليد، بل أشمل من ذلك أنه كان حريصاً على إصلاح ذات البين في داخل المملكة وخارجها، وحينما يعلم عن خلاف بين أفراد وجماعة وجمعية ومؤسسة يبادر للإصلاح.. وقد كتب الله له القبول من الجميع وقلَّ أن يُردَّ له طلب، وليس لديه خبرة في معالجة النوازل وفض المنازعات والمهارة في حل المسائل والمشاكل المستعصيات فقط، ولكن الله سبحانه وتعالى أسكن محبته في قلوب خلقه، وما أن يتحدث حتى تَسمَع حديثاً صادقاً نابعاً من القلب يسكن القلوب، وكثيراً ما أسهم في حل مشاكل وقضايا طال أمدها» [صحيفة الجزيرة: الشيخ الحصيف عبدالله نصيف].
وممن كَتَبَ عن محاسن صفاته الخيرية وعطائه وإثرائه العلمي، الدكتور رشيد بن عبدالعزيز الحمد قائلاً: «كان فقيدنا مثالًا للصدق في القول والإخلاص في العمل، وهبه الله سعة صدر وحكمة رأي، مكّنته من أن يكون صوتاً عاقلاً في زمن كثرت فيه الأصوات وتعددت فيه الاتجاهات، فكان – بحق – من الرجال الذين أنعم الله عليهم بالتوفيق لخدمة دينهم ووطنهم وأمتهم. ولم يكن فكره أقل عطاءً من عمله، فقد أثرى المكتبة الإسلامية والعربية بعدد من المؤلفات، منها: الإسلام والشيوعية، العلوم والشريعة والتعليم، وانبثاق التضامن الإسلامي، وكلها تنبض بفكر وسطي عميق يعكس رؤيته للإصلاح والبناء». [صحيفة الغد الإخبارية: رجل من رجال الرسالة].
وعن هذه الوسطية أكد الشيخ صالح بن حميد أن الإسلام بمنهجه الصحيح هو السلام والحوار والوسطية، وذلك بقوله: «دعم مسيرة الأخلاق بين الشباب، ورسخ ثقافة السلام والحوار والوسطية، حتى صار قدوة بارزة يحتذى بها في هذا الميدان الواسع»»[صحيفة الجزيرة: سيرة العلم ومسيرة الفكر ونهج السماحة].
كما أكد عن هذا الاعتدال ومنهج الحق الوسطي السلفي لديه عبدالعزيز حنفي بقوله: «وتميّز بأسلوبه الوسطي المتزن ودعوته المستمرة إلى الاعتدال والتعايش، مما جعله يحظى بتقدير واسع من العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي» [صحيفة البلاد: رحيل عبدالله نصيف رجل الدولة والعمل الخيري].
وممن كَتَبَ عنه مبارك بن عوض الدوسري، ومما قال عن عمله التطوعي في الكشافة التطوعية، وقِيَمها التي تُعزِّز قيمة الصلابة النفسية لدى الأجيال، وتعالج هشاشتها المُهدِّدة للمجتمعات والدول: «لقد كان الدكتور نصيف بحقّ (سفير الكشافة السعودية)؛ ليس فقط لتمثيله المُشرِّف في المؤتمرات العالمية، بل لما كان يتمتع به من حكمةٍ وبعد نظرٍ وبصيرةٍ نادرة، جعلته مرجعاً ومحل تقدير لدى القيادات الكشفية الدولية كافة؛ فقد كان وجوده في أي اجتماع أو مؤتمر يرجّح كفة الرأي الهادئ العاقل، ويُمثِّل المملكة بأخلاقها وقيمها النبيلة…
وقد ترك معاليه بصمة لا تُمحى في كل موقع عَمَلَ فيه؛ من رئاسته الاتحاد العالمي الإسلامي للكشافة والشباب، إلى إشرافه على عشائر الجوالة في الجامعات السعودية… فلقد كان يؤمن بأن الحركة الكشفية ليست مجرد نشاط شبابي، بل مدرسة لتربية القيم وصناعة القادة، لذلك كان من أشد المدافعين عن أصالتها وسمو أهدافها» [صحيفة الجزيرة: الكشافة تودّع صوتها الحكيم وسفيرها الأبرز الدكتور عبدالله نصيف].
– كلمات عن عطائه الخيري والتطوعي:
شهادات متعددة ومتنوعة، تعكس التواتر عن صفاته وأعماله الخيرية، وعطاءاته التطوعية ومبادراته المشهودة، حينما أصبحت هذه الشهادات تكشف كثيراً عن رسالته الخيرية، ومن شهداء الله في أرضه، رسالة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- حينما كتب لمعالي الشيخ نصيف موطن الشفاعة في هذا العمل الخيري، وهي من السجل الخيري الحافل للمُرسِل والمُرسَل إليه، ومما قال في رسالته: «فأشفع لمعاليكم صورة ما كتبه إليكم إخواننا اللاجئون في الصومال عن حاجتهم إلى المنح الدراسية، وإلى بناء مدرسة هناك للبنين والبنات…الخ، ولا يخفى أن المذكورين في أشد الحاجة إلى العناية، والرحمة، والدراسة الإسلامية، والإنقاذ من براثن النصرانية، والشيوعية، وسائر المذاهب الهدامة. ونرى بذل المستطاع من الرابطة بالاشتراك مع من ترون من خواص الدعاة التابعين لنا في الصومال بالإشراف على أحوالهم، ومساعدتهم في جميع الشؤون، وتسهيل المنح الدراسية لمن يصلح منهم للدراسة» [الموقع الرسمي لابن باز: رسالة شفاعة إلى الشيخ عبدالله نصيف لبناء مدارس في الصومال].
ومن هؤلاء الشهداء في الأرض سلطان الفرَّه الذي كَتَبَ عن نصيف وعن محاسن الصفات الخيرية لديه، ومما قال: «معالي الدكتور عبدالله نصيف.. أمين رابطة العالم الإسلامي السابق.. رجل إداري وحكيم، ومُنجِز ونزيه وخلوق ومتواضع.. كان رمزًا للعلم والعطاء الإنساني، وشخصية بارزة في ميادين العمل الأكاديمي والخيري والاجتماعي».
وكتب عنه توفيق الصايغ، ومما قال عن قيمته المجتمعية والقيادية: «لم تفقد جدة رجلاً، إنها فقدت رجالاً في رجل، وأمةً في واحد، وكافةً في فرد».
كما كتبت عنه أسرة المرزوق خاصةً عن سجاياه الخيرية ومحاسن أعماله، ومما قالوا: «خلال عمله في مجلس الشورى لم يَمضِ يوم دون إطلاق سجين، أو علاج مريض، أو تنفيس كربة، أنفق عشرات الملايين من أجل ذلك، وكان ولاة الأمر وفقهم الله وبعض الأثرياء يقدمون مبالغ كبيرة جداً استجابةً لشفاعته وثقهً به وبنزاهته.. وستظل الأجيال تذكره وتقتدي به حيَّاً بقلوب الأوفياء بالعالم».
وكتب عن جوامع محاسن الخيرية لديه مبارك بن عوض الدوسري بقوله: «لم يكن الدكتور عبدالله نصيف مجرد إداري ناجح أو عالم موسوعي، بل كان قدوة في إنسانية القائد، ومثالاً للرجل الذي جمع بين الدين والعلم والفكر والعمل الخيري، فحيثما حلّ ترك أثراً، وحيثما تولى عملاً جعله منبراً للخير والإصلاح.
في المجالس كان صوت الحكمة، وفي الحوارات كان مرجع التوازن، لا يرفع صوته، ولا يجرح خصماً، بل يجعل من الخلاف طريقاً إلى الفهم؛ حتى الذين خالفوه، خرجوا من مجالسته وهم يوقنون أن في قلبه مساحة تتسع لهم جميعاً.
رحل نصيف بعد أن كتب على صفحات حياته سطوراً من الوفاء والصفاء، وترك خلفه إرثاً يتجاوز الألقاب والمناصب. رحل كما يعيش الكبار: هادئاً، شامخاً، ومضيئاً. سلامٌ على رجلٍ حمل النور ومضى، وسلامٌ على سيرةٍ تظلّ تتحدث ما بقي في الأمة رجالٌ من طين الصدق وماء الإخلاص».
كما كتب عن حبه للخير وعن أولويات حياته عبدالعزيز بن عبدالله الفالح بقوله: «الْتقيتُه عدة مرات، وألْفيتُه مُحبًّا للخير، متواضعًا، ودودًا، يسحرك بطيب نفسه وكرمه، ودماثة أخلاقه. كان العمل الإسلامي والدعوي، والدفاع عن قضايا المسلمين همَّه الأول».
وكتب عن إدارته وقيادته في العمل الخيري والكشفي عصام يحيى الفيلالي ومما قال: «تعلمت منه العلم والأدب، كما تعلمت منه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.. وتعلمت منه القيادة في الحركة الكشفية والإدارة في العمل الخيري».
ودوَّن عن عطائه من وقته ونفسه وماله نواف بن سراج الهذلي، ومما قال: «لا أتحدث عن تاريخه، بل تاريخه هو من يتحدث عنه ولا يجهله الجميع، تاريخه ناصع بالبياض في خدمة دينه ووطنه بإخلاص، أتحدث عما رأيته بأم عيني وعرفته عنه، كان بابه لا يُغلق ولا يوجد به حراس، كي لا يمنعوا السائل والمحتاج، وكان أجود ما يكون رحمه الله في رمضان، وكل ساكن في حيه يعرف عنه بأنه معطاءٌ جواد، ولو نتحدث عن أعماله الخيرية لا ننتهي منها».
كما دوَّن عن إرثه وأثره أحمد بن سعد آل مفرّح، ومما قال: «رحل وتركّ إرثاً لا يُقدَّر بمال، وأثراً لا يُمحى، وبصمة في كل مكان، سمت وخلق، وأدب وفكر، وعلم وعمل»
وكتب عن مجامع الإحسان في بصماته ومبادراته طوال حياته أحمد بن صالح الرماح، ومما قال: «بصماته الخيرية والإنسانية في كل الأرجاء. رجل المبادرات ذات الأثر. عنوان لكل خير. مؤمن خفي نقي. ثمانون ربيعاً في اتِّقاد مُستدام لخدمة البشر».
كما كتب عن حبه لأعمال الخير والعطاء جميل كتبي، ومما قال: «عرفته قبل أكثر من 30 عاماً حينما كنت أعمل بصحيفة المدينة، وعرفت في معاليه تواضعه ودماثة أخلاقه، وحبه لعمل الخير، وحرصه على مساعدة الضعفاء والمساكين، وكل من يطرق بابه أو يقصده».
ودوَّن عنه عبدالله الطارقي، لا سيما عن جوانب القدوة والاقتداء للأجيال، ومما قال: «الشخصية التي ملأت تاريخها بالمكارم ومواقف النبل، حدثني مرافقه الشخصي في فترة عمله أميناً لرابطة العالم الإسلامي، عن مواقف من الشهامة والنبل والجمال التي تستحق أن تتناقلها الأجيال».
وممن كَتَبَ عن صفات الخير والعطاء لديه، المهندس حسن بن علي حجار مفيداً بأنها كلمة وفاء، وما أجدر الأجيال الصاعدة أن تضع هذا الرمز وأمثاله من القامات: قدواتٍ تتشرف الأوطان بمسيرتهم في الإنتاج والعطاء، ومما قال: «الرجل النبيل الذي ترك فينا أثر العالم العامل، والقيادي الهادئ، والإنسان الذي جمع بين الحلم والعطاء. عرفناه ثابتًا في مواقفه، صادقًا في توجُّهه، لا يسعى إلى الأضواء، بل كانت الأضواء تتبعه حيثما حلّ. خَدَمَ وطنه وأمته في صمت العلماء، وبذل من عمره ما جعله منارةً في ميادين الفكر والعمل الإسلامي، ورمزًا للتواصل الحضاري بين الثقافات والمجتمعات. رحم الله من كان حضوره هيبةً، وغيابه ذكرى طيِّبةً».
وأوضح عن محاسنه الخيرية والتطوعية وصفات العطاء لديه عبدالله آل عثمان قائلاً: «كان قامة من قامات الوطن، وعالماً من رجالات الفكر والدعوة، وسليل بيت عريق في العلم والمروءة. كان رحمه الله مثالاً للخلق الرفيع، والتواضع الجم، والعطاء المتواصل في ميادين العلم والعمل والدعوة. خَدَمَ وطنه وأمته في مواقع متعددة، فترك بصمات خالدة وأثراً طيباً في النفوس».
كما كتب عنه الدكتور خالد الخشلان موضحاً أهمية إشهار هؤلاء القدوات للأجيال، ومما قال: «لم تزده تلك المناصب إلا تواضعاً، وقرباً من الناس، فأحبه كل من عَرَفَه، ومن سمع عنه. رحل رحمه ﷲ، وبقي ذكره الطيب، وسمعته الحسنة.
| ما مات مَن زَرَعَ الفضائلَ في الورى |
| بل عاش عمرًا ثانياً تحت الثرى |
| فــــــالذِّكْرُ يُـــــــحْيــــــي ميِّتـــــاً، ولَرُبَّمــــــــــا |
| مــــــــات الذي ما زال يُـــسمعُ أو يُرى». |
وقد دوَّن الدكتور فايد سعيد عن رسالته الخيرية والدعوية وعطائه التطوعي الذي عمل به من خلال مناصبه الرسمية: «ما بقي منه بعد رحيله ليس الألقاب، بقدر ما هو الأثر الإنساني الرفيع الذي تركه في قلوب المجتمعات المسلمة حول العالم، فقد كان حضوره في آسيا وإفريقيا وأوروبا والأمريكيتين حضور الأب المساند لا المسؤول الرسمي؛ يأتي لا ليُلقي خطابًا ثم ينصرف، بل ليستمع إلى الناس، ويزور مساجدهم الناشئة، ويدعم مراكزهم التعليمية، ويمنحهم الشعور بأنهم جزء أصيل من الأمة». [صحيفة مكة الإلكترونية: رحيلُ شخصيةٍ صنعت حضورًا حضاريًّا وإنسانيًّا للمسلمين حول العالم].
د. محمد بن عبدالله السلومي
باحث في التاريخ ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
[email protected]


لا توجد تعليقات