27 شعبان 1442هـ
09 أبريل 2021م
تتأكد الرمزية العلمية والخيرية بحق العلماء ومعلمي عصور مَضَت، حيث كانت صعوبات الحياة التي تكاد تنعدم فيها وسائل العلم والمعرفة خاصةً بالقرى والهجر، إضافةً إلى ظروف الحياة الاجتماعية المعيشية للبلدات والقرى في نجد آنذاك، حيث شظف العيش وقلة الزاد، حينما كانت حياة الناس محصورة بمصادر الحياة الطبيعية الزراعية أو الحيوانية المحدودة، وربما كانت لفئات معينة من الناس! وتتضاعف الصعوبات والتحديات على طلاب العلم والمعرفة، وعلى العلماء والمعلمين آنذاك حينما تكون الأوضاع السياسية للدولة غير مستقرة، وهو ما يتطلب الحضور الفعلي للعلماء والمعلمين في ساحات المجتمعات القروية والبلدات، وذلك لتعليم الناس أمور دينهم التي بها تستقيم أمور حياتهم وتصلح بها دنياهم.
وقد كان هذا الرمز أو العَلَم أحد من كَتَبَ الله له أن يعيش في الشنانة بعد أحداثها الجسام من غزاة الخارج (1230-1233هـ)، وما لحق بالشنانة من آثار هذه المحن والفتن والحروب، وذلك في معظم حياته وعطائه بالشنانة، كما أنه عاصر الحروب الأخرى والصراعات والفتن الداخلية زمن الدولة السعودية الثانية، وما يصحب هذا في العادة من اضطرابات أو خلل في الأمن الاجتماعي، ثم كانت معاصرته لأحداث ابن رشيد بالشنانة وحصارها وتشتيت معظم أهاليها، لكن مع هذا كله دوَّن التاريخ لهذا الرجل خيريته وعطاءه لمجتمعه واسهاماته الكبيرة في خدمة بلدته الشنانة، وذلك في معظم فترتها التاريخية الثانية (الطلعة الثانية) للشنانة بعد عام 1200هـ، وكان قد عاش فترة من ازدهار الشنانة حينما كان للشنانة مسجدين جامعين قبل القطعة 1322هـ، ثم عاش عودة الحياة للشنانة أو ما يُمكن أن يُسمى “طلعة الشنانة الثالثة” بعد سنة القطعة 1322هـ، وكان حضوره في التعليم بارزاً وظاهراً في عصره، حيث كان له تلاميذ، وكانت له ملازمة ومداومة في السكنى في بلدة الشنانة، وهو ما انعكس على كثرة المستفيدين منه ومن علمه كما هي الروايات الشفهية والتحريرية عنه، وكانت ولادته ووفاته المدوَّنة أعلاه حسب ما أورده الأستاذ سليمان الرشيد.
وقد كانت الكتابة والقراءة فقيرة بالشنانة في أزمنةٍ مضت، بل إنها تكاد أن تكون غير موجودة بين الناس، ولكنه مع غيره من معلمي وعلماء عصره مثل الشيخ رميح كانت لهم بصمات في نشر العلم والمعرفة، وكان العلماء آنذاك قلة، ولكنهم قدَّموا الكثير لأبناء بلدة الشنانة، وتتأكد الأهمية حينما كان هؤلاء العلماء والمعلمون ومطوِّعة عصرهم ومن في حكمهم في صدارة المشهد العلمي والاجتماعي في مجتمعاتهم، وذلك قبل توافر المدارس والمحاكم أو القضاة وكتابات العدل والتوثيق.
وحقاً أن العلم نور يُستضاء به عن ظلمات الجهل، والحقيقة التي دوَّنها التاريخ أن الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب خاصةً زمن الدولة السعودية الأولى قد آتت ثمارها حينما وصل خيرها وإشعاعها إلى منطقة القصيم وكثير من بلداته وقراه، فكان الشيخ سليمان الفلاح من ثمرات هذه الحركة العلمية الدعوية الإصلاحية كغيره من علماء ومعلمي عصره، وكان لهذه الدعوة الأثر والخير في نشر التعليم على يديه، هو وأمثاله في عصره وما بعد عصره.
ويُعدُّ الشيخ سليمان من مخضرمي تلك الفترة، حينما عاش معظم فترة الدور السعودي الثاني وما فيه من أحداث، ثم عاش فترة تأسيس الدولة السعودية الثالثة حوالي أربعين عاماً منها، والمهم أن علمية هذا الشيخ مع غيره بالشنانة كانت لها أثارها الظاهرة في توارث العلم والتعليم في بلدة الشنانة التي خرَّجت فيما بعد أجيالاً وَرِثَت العلم وورَّثَّته، وأسَّست في التعليم والحسبة والدعوة، وهو حال الرموز العلمية من عائلة الفلاح والرميح بالشنانة، وحُق للشيخ سليمان الفلاح أن يكون علَماً ورمزاً تفتخر به الشنانة حينما قدَّم لها الكثير.
- البطاقة الشخصية:
تُنسَبُ أسرة الفلاح إلى جدهم فلاح بن عمران بن مرشد، وهم من بني العنبر من قبيلة بني تميم، ممن جاءوا من مكانٍ يُسمى (روضة رمان) من منطقة حائل أو ديار (الجبل) كما كان يُسمى، وكانت هذه العائلة قد جاءت إلى منطقة القصيم، وتحديداً إلى بلدة الخبراء، ثم الشنانة والرس وقصر ابن عقيل، وهم أسرة علمٍ وتعليم، ففيهم أعيانٌ ورموز اشتهروا بالدعوة والتعليم، وكان بعضهم أئمةً في مساجد الشنانة، وربما أن أول قادم للشنانة من عائلة الفلاح هو جد المعني بهذه الترجمة وهو (سليمان الفلاح) المشهور بكتابة وثائق عصره، والذي لم توجد له –ترجمة دقيقة مع الأسف- بالرغم من أن هذا الجد ربما يكون عالماً أو طالب علم أو من مطوِّعة الشنانة، أو إماماً لمسجدها القديم في عهدها قبيل عام 1200هـ وفيما بعده، حيث اشتهر هذا الجد بكتابة التوثيق في عصره، وكان هذا الاسم حاضراً بقوة في زمنه بأكثر من غيره في عصره، فقراءة يسيرة في بعض الوثائق عن المبايعات والمداينات، وتوثيق الأوقاف تكشف بأنه كانت له عشرات المكاتبات الوثائقية التي ربما تفوق معاصريه من كُتَّاب الوثائق خاصةً بين الأعوام (1246-1274هـ) حوالي ثلاثين عاماً تقريباً وربما أكثر من هذا، وحيث هذا الحجم الكبير من الأوراق المكتوبة كان قد كتبها وشهد بها وأشهد عليها، وكأنه بهذا الحجم من الكتابات التوثيقية كان في عصره غرفة تجارية أو كتابة عدل في توثيق المبايعات والمداينات وتدوين الأوقاف وغيرها، وهذا مع المعني بهذه الترجمة مما يكشف عن رمزية أسرة الفلاح في خدمة الشنانة.
وكانت نشأة سليمان بن صالح الفلاح وحياته في بلدة الشنانة المجاورة للرس والتي تُعدُّ من أطرافها، وتربى تربية أبوية كريمة في مجتمع يسوده الإيمان والتدين وحب الخير والمحبة، فقرأ القرآن في صغره على مقرئي عصره، وتدارس العلم مع زملائه ومشائخه آنذاك، وكان معاصراً للشيخ رميح بن سليمان الرميح بالشنانة إمام المسجد الجامع في الشنانة القديمة بجوار المرقب، وبعد انتقال الشيخ رميح من بلدة الشنانة إلى بلدة البكيرية تولى سليمان الفلاح إمامة المسجد من بعده لمدة أربعين عاماً تقريباً وذلك حتى عام 1274هـ حسب رواية سليمان الرشيد في كتابه، ثم تولى سليمان الفلاح إمامة مسجد العلوة بالشنانة الوسطى من بعد الشيخ رميح الرميح وذلك من تاريخ 1316هـ إلى 1356هـ.
وقد تلقى سليمان بن صالح تعليمه بسن مبكرة، وعمل بالتدريس، ودرَّس القرآن الكريم للأجيال قبل التعليم النظامي، ومن هنا كانت أهمية دوره ودور علماء ومطوِّعة عصره، وكان أهل الشنانة في البلطانية والبلاعية يرسلون أبناءهم للدراسة بين يديه في الشنانة القديمة، واشتغل بالوعظ والإرشاد، وتولى إمامة وخطابة جامع الشنانة (الوسطى) لما يقارب 40 سنة كما سبق.
ومن صفات الشيخ سليمان أنه كان واعظاً مرشداً وآمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في بلدة الشنانة، وكذلك اهتم بتعليم أبناء بلدته، فأقام حلقة لتحفيظ القرآن الكريم في بيته أولاً، ثم انتقل بها إلى المسجد فاستفاد منه خلق كثير في قراءة القرآن وحفظه، وكان من أبرز تلاميذه ابن زوجته هيا الشايع من زوجها الأول –رحمهم الله-، وهي المتوفاة عام 1364هـ تقريباً، وتلميذه المعني هنا هو سليمان بن ناصر السلومي الذي توفي والده بالشنانة وهو طفل لم يتجاوز السادسة من عمره، فتربى في كَنَفِ أبو فلاح تربية إيمانية قرآنية؛ حيث كان ربيباً له مما هو مفصل في الفصل الثاني من كتاب ترجمة سليمان بن ناصر السلومي الشخصية والرسالة ص66.
وكانت أسماء عائلة الفلاح المتكررة والمتشابهة سبباً للالتباس عند بعض المؤرخين حول تداخل التراجم فيما بين بعضهم، ومن تعدد رموز هذه العائلة ما ورد من رواية الأستاذ المربي صالح بن عبدالله الفلاح المتوفى عام 1442هـ -رحمه الله-، وفيها قال: «أن سليمان بن ناصر السلومي وقف معه شخصياً على أطلال هذا المسجد المجاور للمرقب، وهو مسجد الشنانة (الحدرية)، وقال لي: “إن جدكم صالح بن عبدالله الفلاح كان إماماً لهذا المسجد، ثم ابنه سليمان الملقب أبو فلاح إماماً بعض الوقت، ثم انتقل سليمان الفلاح هذا إماماً للمسجد الآخر، المسمى مسجد العلوه زمن والده”».
وعن سليمان بن صالح بن سليمان الفلاح المكنى “أبو فلاح” ودوره التعليمي المبكر كتبت عنه موسوعة التعليم بالمملكة بأنه من رواد التعليم في بلدته الشنانة والرس قبل التعليم النظامي الحكومي، وفيها ورد: «سليمان بن صالح بن سليمان الفلاح من مواليد الشنانة، تلقى تعليمه صغيراً فحفظ القرآن الكريم على مشايخ بلده، كما كان يَحضُر دروسهم، عمل بالتدريس ودرَّس القرآن الكريم في بيته، ثم في المسجد، واشتغل بالوعظ والإرشاد، وتولى إمامة وخطابة مسجد بلدته [الشنانة] أربعين عاماً».
وممن عُرف من التلاميذ الذين قرأوا القرآن على يدي هذا الشيخ سليمان الفلاح والملقب “أبو فلاح” مجموعة أولاد مجاهد، وهم: سليمان بن مجاهد الخليفة، وعبدالرحمن بن مجاهد الخليفة، ومحمد بن مجاهد الخليفة، وصالح بن مجاهد الخليفة، ومحمد البَتَّال الجميلي، وصالح بن عبدالله الخليفة وآخرون.
وعن الفلاح فله ترجمات في كل من: موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام، ج4/ص198 برقم 566، ومعجم أسر الرس لمحمد العبودي، ج14/ص303-304، والرس وأدوار تاريخية في الوحدة لمحمد السلومي، ص100-102، ومساجد الرس وأطرافه لسليمان الرشيد، ج2/ص620.
وتوفي الشيخ سليمان الفلاح في عام 1356هـ، وكان له من الذرية أربعة من الذكور هم: صالح، وعبدالله، ومحمد، وإبراهيم، رحمهم الله جميعاً.
د. محمد بن عبدالله السلومي
باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
[email protected]
لا توجد تعليقات