Skip to main content

أهمية الدوافع والأهداف في القراءة والكتابة عن الفِرق القديمة

(تصفح PDF نسخة الجوال)

(تصفح PDF نسخة الكمبيوتر)

تتفاوت الأهداف والدوافع لدى المثقفين وأساتذة العلم والفكر في الاهتمام بموضوع الفِرَق القديمة وأهمية القراءة والكتابة فيها حسب التباين في الأيديولوجيات فيما بينهم، وهذا الاهتمام يرتقي عند المسلم ليكون عقيدة وعبادة كما سيرد، وقد كان الدافع الذاتي للاهتمام ببعض الرسائل العلمية المعنية بالفِرق أكثر من السابق هو أهميتها العلمية، واهتمام المستشرقين بنشر كتب الفِرق –كما سيرد-، ثم الدعم الكبير من بعض المؤسسات الغربية لما يُسمونه الإثنية العقدية والعرقية في العالم! لا سيما أن الغرب لا ينسى التاريخ وأحداثه، فقد قال أحد المستشرقين البلجيك وهي المقولة المتداولة عن فضل الرافضة الباطنية على الغرب عبر التاريخ: «لولا الشيعة الصفويون لكنا نقرأ القرآن في بلجيكا»، فالتحالفات الصفوية الصليبية ضد أمة الإسلام في العراق والشام ومصر والحجاز وغيرها متواترة في معظم كتب التاريخ، وعن هذا كتب المفكر الأستاذ الدكتور محمد عمارة في مقالة علمية منشورة بمجلة الأزهر، بعنوان: (لولا الإيرانيون الشيعة الصفويون لكنا نقرأ القران في بلجيكا).

ولهذه الاعتبارات وغيرها تتأكد أهمية التعريف بالفرق الباطنية وفِرَق الضلال، بل وأهمية نشر غير المنشور من الكُتب الناقدة للفِرق بطباعتها والاعتناء بها، ومن ذلك كأنموذج ومثال مؤلفات الدكتور سليمان السلومي –رحمه الله- عن الفِرق، وهي رسالة الماجستير: (القرامطة وآراؤهم الاعتقادية)، ورسالة الدكتوراه: (أصول الإسماعيلية – دراسة وتحليل ونقد).

وفي هذه الورقات بعض الإيضاح لما ذكره بعض العلماء حول أهمية الكتابة عن هذا الفن من فنون العلم والمعرفة، وما فيه من استبانةٍ لسبيل المجرمين والمنحرفين عبر العصور، وعن هذا كتب ابن القيم رحمه الله، ومما قال: «العالمون بالله وكتابه ودينه عَرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس، وأنصحهم لهم، وهم الأدلَّاء الهداة… فإن الضد يُظهر حُسنه الضد، وإنما تتبين الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبةً ومحبةً فيما انتقلوا إليه، ونفرةً وبغضاً لما انتقلوا عنه».

ومن الغريب والعجب أن تجد من يُزهِّدون من القراءة والكِتابة في الفِرق القديمة مع أن لها من يُحييها بين حينٍ وآخر، وأحياناً تكون بأسماء أخرى، فالقراءة والكتابة عن هذه الفِرق جهاد بالقلم واللسان بالإبانة والاستبانة عن سبيل المجرمين كما هو التوجيه القرآني ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام:55)، وعن هذا النوع من الجهاد كتب ابن تيمية رحمه الله بأنه لا يقل عن جهاد القتال والحروب، وربما يفوق القتال أحياناً فقال رحمه الله: «فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: (الذب عن السُّنة أفضل الجهاد). وقال ابن تيمية أيضاً: وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة: مثل نَقَلَة الحديث الذين يَغْلَطون ويَكْذبون، ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل… ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لَفَسَدَ الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأمَّا أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً».

وكتب أحد الباحثين المتخصصين عن هذه الأهمية الأستاذ الدكتور فهد بن محمد القرشي في كتابه المفيد والمهم في بابه حول هذا، ومنه كان النقل لبعض هذه النصوص، ومما قال: «إن النشر عن هذه الفِرق ودراسة المقالات عنها من باب معرفة الشر لِتَوقِّيه، وتحذير الناس من الفِرق المبتدعة التي تكاثرت وتكاتفت فتعددت السبل، وكثرت المشتبهات، وفي ذلك نهيٌ عن المنكر. وقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: “كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني” (البخاري:7084). قال ابن تيمية رحمه الله في تعليقه على أحاديث النهي عن التفرق: “وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، يشير إلى أن التفرق والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يُحذر أمته منه لينجو من الوقوع فيه من شاء الله له السلامة” (اقتضاء الصراط المستقيم: 1/127)». وأقول: إن الفِرق والافتراق من سنن الله الكونية للابتلاء والامتحان لعباده كما قال سبحانه وتعالى ﴿لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ (محمد:5)، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (الأنبياء:35).

وقد أضاف الدكتور فهد ما يُعزِّز القيمة والأهمية للكتابة عن هذه الفِرق المنحرفة في كل عصر من عصور التاريخ، بما فيه العصر الحاضر وصلتها الواضحة بالماضي، وذلك بقوله عن أهمية البيان والتبيين: «بيان صلة الفرق الضالة والآراء المنحرفة المعاصرة بجذورها الخبيثة من الفرق القديمة أهل الأهواء والبدع وكشف حقيقتها وتلبيساتها على الناس، فإن تغيير الأسماء مع بقاء المسميات والمعاني من أساليب الخِداع والمكر عند اليهود والزنادقة وأعداء الإسلام، وقد قال ابن القيم رحمه الله بعد كلامه عن التَّحيُّل الباطل: “وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه، فجعلها سترة وجُنَّة يتستر بها من ارتكب ما نُهِيَ عنه صرفاً، فأخرجه في قالب الشرع” (إغاثة اللهفان: 2/81)».

وقد دَوَّن الباحث سليمان في مقدمة رسالته العلمية عن (القرامطة وآرائهم الاعتقادية) من المعطيات والنتائج ما يُعزِّز أهمية القراءة والكتابة عن هذه المِلل والنحل المنحرفة عن الصراط المستقيم، ومن ذلك ما ورد من نتيجة في المقدمة حول نتائج الفصل الأول والثاني من الباب الأول بقوله: «إن مذهب التشيع اُستخدم على مر العصور والأزمان مَطِيَّة لكل من يريد الإساءة إلى الإسلام واستغلاله وتشويهه، فمعظم الدجالين والمخربين ممن تزعَّموا بعض الحركات الخطيرة كانوا يَدَّعون النسب العلوي»، وكذلك كَتَبَ عن حقيقة القرامطة، ومما قال عنها في مقدمة رسالته: «القرامطة فرقة من فِرق الغلاة لم تكن جديدة بآرائها وغلوها؛ حيث أنها امتداد مباشر لمذاهب إلحادية وُجدت قبل الإسلام وبعده، وذلك كالمزدكية والخطابية». فالإحياء لهذه الفِرق الضالة يأتي في أحيانٍ كثيرة ببعث معتقداتها وأفكارها بطروحات جديدة وثِيابٍ برَّاقة؛ ومن ذلك: إحياء وتقديس العقل والعقلانية والعصرانية والحداثة في هذه العصور المتأخرة على حساب تعظيم النقل من الكتاب والسنة، ولا يختلف ببعضه أو كله عن معتقدات تلك الفِرَق. كما يأتي إحياء الفلسفة ومناهجها وما تزرعه من التشكيك بالثوابت والمحْكَمات من شريعة الإسلام على حساب الإيمان المُطلق وفق منهج أهل السنة والجماعة. كما أن الإرجاء يُستعاد ويعود بصورة تعظيم الإيمان القلبي مع تعطيل العمل بالشعائر والعبادات الإسلامية لتُطرح هذه جميعاً بأفكارٍ وطرقٍ متعددة، وبشعارات منها التجديد والتحديث في الخطاب الديني أو الدعوي لدى أهل السنة والجماعة تحديداً.

– اهتمامات غربية مريبة:

لقد كان من أبرز الدوافع للاهتمام العلمي برسائل الدكتور سليمان وغيره من المتخصصين بالفِرق -كأنموذج أو حالة دراسية- أن الواقع العالمي وتفاعله مع إحياء أو دعم الفِرق والمذاهب الفكرية العقدية المنحرفة القديمة حفَّز على كتابة هذا الموضوع، وقد لفت انتباهي ما كتبه الباحث الدكتور سليمان في مقدمة بحثه عن القرامطة حول اهتمام المستشرقين المتزايد، وهو ما ورد ذكره في مقدمة كتابه عن القرامطة حول نشرهم في هذه العصور المتأخرة لعقائد الباطنية وفرقهم القديمة، وتحقيق الكثير من مخطوطات الإسماعيلية من قِبلهم! وهو ما يُعدُّ أنموذجاً ومثالاً، فكان هذا حافزاً لي أكثر على المبادرة بالتعريف والنشر لرسائل الدكتور سليمان عن فرقتي القرامطة والإسماعيلية ومحاولة الخدمة العلمية للبحثين، وتضاعف الاهتمام حينما اطلعت على إحدى الدراسات البحثية من مؤسسة راند الأمريكي، وكيف وصَّفت بوضوح بعض الفِرَق، بل وأوصت بدعمها بجرأة وصراحة لتحقيق أهداف معلنة عدائية تجاه منهج أهل السنة والجماعة.

وما سبق ضاعف الاهتمام بطباعة ونَشْر غير المطبوع لما كتبه الباحث سليمان وهو بحث (القرامطة)، إضافةً إلى استخراج بعض الاقتباسات من هذين الموضوعين (القرامطة والإسماعيلية) مما كتبه المؤلف في مقدمة رسائله العلمية وخاتمتها، لتكون جزءاً من ترجمته.

والحقيقة أن هذا الواقع العالمي الجديد المعقد والمتشابك بأهدافه العدائية غير المتسامحة مع الإسلام! يُعزِّز أهمية الوعي بهذه المرحلة التاريخية الصعبة على المسلمين، لا سيما حينما أصبح يتلازم معها تغذية كبيرة ولافتة للنظر للأقليات الدينية والعرقية والقومية في العالم وفق رؤيةٍ أو نظرية ما يُسمى الاستعمار (ما بعد مرحلة الاستعمار)، وعن ذلك كَتَبَ معالي الأستاذ هشام ناظر في كتابه المهم والمُثير للانتباه (القوة من النوع الثالث – محاولة الغرب استعمار القرية العالمية)، وفيه ورد عن تشخيص المرحلة الحالية والمستقبلية للعالم، لا سيما حول توظيف الأقليات وحقوق الإنسان من الأقليات! ومن ذلك قوله: «سيتوقف الغرب عن لعب دوره التقليدي كحام لغيره من الدول، ذلك أن هذا الدور كان أكثر ملاءمة لعصر الصراع الثنائي بين المعسكرين الشرقي والغربي، أما في هذه المرحلة فستكون دول الغرب أكثر اهتماماً بالترويج لهويتها الجديدة كحامية لحقوق الفرد». وبهذا القول من هذا المفكر تتضح التحولات في مفاهيم الاستعمار والاحتلال من المفاهيم التقليدية إلى مفاهيم حديثة تستخدم حقوق الفرد (الإنسان) خاصةً من الأقليات سلاحاً تتقوى به على الدول والحكومات.

وعن هذا كَتَبَ ونَبَّه ناظر كذلك حول استغلال الاثنية الدينية والعرقية تحديداً، وعن أهمية وجود الوعي السياسي بهذا لدى دول العالم الثالث -كما يُسمى- وبتحذير وتوصيف يستوجب التأمل، وذلك بقوله: «فإن عدم الفهم سيؤدي إلى منح الغرب مدخلاً واسعاً ينفذ منه إلى داخل الدول، إن على مثقفي الدول النامية تحديث فهمهم لهذه الحملات الرمزية عموماً والتمركز الاثني خصوصاً، وعليهم أن يدركوا أن هذه الجهود هي في واقع الأمر أكثر ديمومةً وأكثر تأثيراً من أي عملية اقتحام عسكرية أو سياسية من عمليات الحرب الباردة».

ويُشخِّص المفكر هشام ناظر بصورةٍ أكثرَ وضوحاً بعض صور التدخلات، وكيف سيكون انتهاك سيادة الدول الوطنية باسم الحقوق الإنسانية للفرد، وكيف ستكون حُجج الغرب المتعصب لاستغلال هذه الإثنيات، مُحدِّداً بالزمن أن التدخلات الأجنبية سوف تكون في النصف الأول من هذا القرن الواحد والعشرين، ومشخِّصاً أن هذا الدعم الغربي للفِرق والطوائف هو مصنع من مصانع الصراع، وعن هذا كتب فقال: «تأكيد أسبقية الحقوق الإنسانية للفرد على حق السيادة الوطنية، وكما يبقى استيعاب هذا التصور حيوياً للغاية لفهم كامل الاستراتيجية، فعلى مدى النصف الأول من القرن الواحد والعشرين على الأقل سوف يصبح وضع السيادة الوطنية على الرف من أجل الحاجة المفترضة للدفاع عن حقوق الإنسان هو المحرك الرئيس لصراع الدول النامية مع الدول المتقدمة». ولعل المقصود صراع الدول المتقدمة مع الدول النامية وليس العكس.

والحق أن الغرب المتعصب وغير المتسامح مع الإسلام وأهله يسعى إلى إيجاد ما يُسمَّى عندهم بالشركاء، وذلك من منافقي العالم الإسلامي لترويج الإسلام الديمقراطي بالرؤية الغربية كما هو عنوان الفصل الثاني من كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني)، ومما ورد فيه حول دعم العلمانية –على سبيل المثال- قولهم عنها في العالم الإسلامي أو الدول الإسلامية: «برغم الغموض الذي يشوب هذا التصوُّر، فإن الديمقراطيات الغربية ترتكز على الفصل بين الدين والدولة، وهو ما يستتبع أن يكون العلمانيون هم حلفاءنا الطبيعيين في العالم الإسلامي». ويماثل هذا التقرير بمدخلاته ومخرجاته ما صدر في التقرير الآخر لمؤسسة راند الأمريكية بعنوان (بناء شبكات الاعتدال الإسلامي).

– توصيات وأعمال عدائية:

يُضاف إلى ما سبق عن دعم الأقليات ما ورد كذلك في تقرير الإسلام الديمقراطي، وقد جاء فيه حول دعم الغرب للصوفية المنحرفة كفرقة من الفِرق الدينية في القديم والحديث، ومما ورد فيه من توصيف وتوصية القول: «ويمثل التصوف التفسير الفكري المنفتح للإسلام، وينبغي دعم التأثير الصوفي في المدارس والمقررات التعليمية والمعايير الاجتماعية والأخلاقية والحياة الثقافية؛ دعماً فعَّالاً في البلاد التي يوجد بها تقليد صوفي، مثل أفغانستان والعراق. ومن خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، الذيْن يتفرد بهما التصوف؛ يستطيع التقليد والممارسة الصوفية القيام بدور الجسر الذي ينقل هذه المجتمعات خارج نطاق التأثيرات الدينية».

ومما ورد كذلك في هذا التقرير عن دعم التصوف وفِرَق الصوفية المنحرفة بكل صراحة ووضوح: «تعزيز مكانة التصوف؛ بتشجيع الدول التي تُوجد بها تقاليد صوفية قوية على زيادة الاهتمام بهذا الجانب من تاريخها وبثِّه في مقرراتها المدرسية. ونصيحتي هي: أَوْلُوا الإسلام الصوفي مزيداً من الاهتمام». وقد قصد التقرير إعطاء فِرَق الصوفية المنحرفة أهمية وأولية.

والموضوع لدى الغرب المتعصب بهذا الأنموذج السابق يتجاوز التوصيف للفرق والمذاهب العقدية المنحرفة، ويتجاوز البحث والتحقيق للكتب ونشرها إلى أعمالٍ من الممكن أن تُوصف بأفعال الكراهية وعدم التسامح ضد الإسلام والمسلمين، ومن ذلك هذه التوصيات المكتوبة للدوائر الرسمية الغربية وغيرها بدعم الفِرق والمِلل والنحل المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة، بل إن هذا الدعم الغربي الكبير يقوم على استراتيجيات مكتوبة معلنة ومدوَّنة بتقارير، ففي الفصل الثالث من كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني) بعنوان “استراتيجية مقترحة”، ورد تقسيم المجتمعات المسلمة وتصنيفها والتعريف عنها، ومما ورد في تعريفاتهم حسب رؤيتهم أن (العلمانيين): هم الذين يُريدون أن يَقْبَل العالم الإسلامي انفصال الدين والدولة كما هو الحال في الديمُقراطيات الصناعية الغربية مع قَصْر الدين على المجال الخاص. وورد عن تعريف (التقليديين): أنهم الذين يُريدون مُجتمعًا محافظًا ويتشككون في الحداثة والإبداع والتطور.

كما أن تعريف(الأصوليين): هم الذين يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية المعاصرة ويريدون دولة سلطوية مُتزمتة تُطبق رؤيتهم المتطرفة للشريعة والأخلاق الإسلامية، وهم على استعداد لاستخدام التقنيات الحديثة من أجل بلوغ هذا الهدف. وتعريف(الحداثيين) لديهم: هم الذين يريدون أن يُصبح العالم الإسلامي جزءاً من الحداثة العالمية، وأن يتم تحديث الإسلام وتقويمه ليواكب العصر. ومما ورد في هذه الاستراتيجية من توصيف مُفصَّل عن صور الدعم: «دعم الحداثيين أولاً، وتكريس رؤيتهم للإسلام لإزاحة رؤية التقليديين، وذلك من خلال تزويدهم بمنبر للتعبير عن أفكارهم ونشرها. فهؤلاء الحداثيون هم الذين ينبغي تثقيفهم وتقديمهم للجماهير، كواجهة للإسلام المعاصر.

دعم العلمانيين بشكل فردي، وحسب طبيعة كل حالة …

دعم المؤسسات والبرامج المدنية والثقافية العلمانية.

دعم التقليديين (متى وحيثما كانوا من اختيارنا) بما يكفي لاستمرارهم في منافسة الأصوليين، والحيلولة دون أي تحالف بين الفريقين. أما داخل صفوف التقليديين، فينبغي أن نشجع بشكل انتقائي؛ أولئك المتوائمين مع المجتمع المدني الحديث وقيمه بدرجة أكبر من سواهم. وعلى سبيل المثال؛ فإن بعض مذاهب الفقه الإسلامي أكثر قابلية من غيرها للتطويع بما يوافق رؤيتنا للعدالة وحقوق الإنسان»!.

والحقيقة أن هذه الدراسة من مؤسسة راند بهذا الأنموذج الفاضح تكشف الهدف الحقيقي بهذا التوصيف والتصنيف، وذلك بالقول الصريح الواضح دون مواربة، لا سيما في نهاية (الاستراتيجية المقترحة) من مؤسسة راند الأمريكية، وهذه الاستطرادات السابقة واللاحقة من الأدلة والاستدلالات مما يدعم أهمية القراءة والكتابة في الفِرَق المنحرفة التي يُراد بعثها من جديد بوسائل متنوعة وأهدافٍ مُوحَّدة يجمع بينها عداوة المنهج الصحيح للإسلام ومحاولات إجهاض أي مشروعٍ لعودة أهل السنة والجماعة لدينهم والنهضة به.

وعن هذه المحاولات يُمكن النظر والتأمل في التوصيات الصادرة من مؤسسة راند حول الإسلام وأهل السنة، ومنها: «ملاحقة الأصوليين بقوَّةٍ وضرب نقاط الضعف في مواقفهم الإسلامية والأيديولوجية…
المساهمة في إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين للإسلام! تعريفاً وشرحاً وتفسيراً.

اختيار العلماء الحداثيين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني؛ يجيب عن الأسئلة المتعلقة بالحياة اليومية، وبعرض الآراء الفقهية الحداثية، وتشجيع العلماء الحداثيين على كتابة النصوص الأكاديمية والاشتراك في تطوير المناهج.

نشر الكتب الأولية والتمهيدية بأسعار مدعومة، بحيث تكون في متناول الجميع كالكتيبات التي ينشرها المؤلفون الأصوليون. واستخدام وسائل الإعلام المحلية واسعة الانتشار كالمذياع؛ لإبراز أفكار الحداثيين المسلمين وممارساتهم، ونشر رؤيتهم وتفسيرهم للإسلام عالمياً وعلى أوسع نطاق».

ويظهر أن هذه التقارير وما يماثلها تتوافق مع رؤية المفكر هشام ناظر الذي كتب عن المرحلة شارحاً أخطارها، وأخطار ما بعد مرحلة الاحتلال على العالم -كما سبق-، وذلك بدعم الإثنيات الدينية والعرقية، وبتوصيف يستوجب أخذ الحيطة والحذر من استغلال الغرب للأقليات، بل وإثارة الاضطرابات بها، ومن ذلك قوله: «وفي مناخ من الاضطرابات المتزايدة الناتجة عن عدم الرضا السياسي والاقتصادي فإن وجود أكثر من (3000) ثلاثة آلاف مجموعة اثنية حول العالم سوف يمهد بشكل انتقائي لمبررات دائمة للتدخل بحجة حماية حقوق الفرد، وستضيف غيرها من الصراعات حججاً متاحة للدول الغربية لاستخدامها كيفما شاءت وفي أي وقت».

والحقيقة أن هذه الاستراتيجيات الغربية التي كَتَبَت عنها مؤسسة راند وكذلك التي ذكرها ناظر وما يُراد منها، تفعلُ فعلها في العالم الإسلامي!: حيث أفعال الكراهية وعدم التسامح التي يعمل بها أعداء الإسلام تتجاوز خطابات الكراهية والمخاطبات إلى الأفعال والتوصيات، وكل هذا يؤكد للقارئ أهمية القراءات النقدية للفِرق المنحرفة في القديم والحديث عملاً بقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام:55)، وفي هذا تعبد لله، ودعوة لدينه، وتحذيرٌ من طرق ومناهج المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى ومن نحا نحوهم في الضلال والبعد عن دين الله الحق ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء:81)، ومن أخطر طرق الضلال إلباس الباطل بالحق، والحق بالباطل كما تفعل معظم الفِرق والمِلل والنحل والطوائف والمذاهب الفكرية المنحرفة في القديم والحديث، أو كما يُفعل بها في كل عصر وقُطر من أقطار الإسلام، مما يُوجب بيان الحق وكشف الباطل.

فرحم الله المؤلفين في الفِرق، وكل من جاهد من العلماء والباحثين بقلمه ولسانه في توضيح سُبل المجرمين، وكشف طرقهم وفضح أفكارهم ومناهجهم، وهذه الورقة العلمية المحدودة مأخوذة من كتاب تحت الطباعة معني بنشر كتاب القرامطة والكتاب الآخر عن الإسماعيلية ومعني بالترجمة عن المؤلف الدكتور سليمان بن عبدالله السلومي رحمه الله، والله ولي التوفيق.

 

د. محمد بن عبدالله السلومي
باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
[email protected]

 

المصدر: (صحيفة البيان)

 

لا توجد تعليقات

بريدك الالكتروني لن يتم نشره


الاشتراك في

القائمة البريدية

اكتب بريدك الالكتروني واضغط اشتراك ليصلك كل جديد المركز

تصميم وتطوير SM4IT