20 جمادى الأولى 1442هـ
4 يناير 2021م
هو الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن سعد الرياعي الشهري من قبيلة آل برياع، وهو من مواليد عام 1339هـ، وكان قد ولد في قرية (الوهدة) إحدى قرى بلدة الظهارة الواقعة جنوب مدينة النماص، وقد تحمَّل الغربة والسفر آنذاك لطلب العلم فكان بهذا من أهل الهمم العالية، وكان ذلك بمكة بإحدى المدارس أو المعاهد الشرعية آنذاك، وكان له زمالة واستفادة مع الشيخ إبراهيم بن راشد الحديثي (1322–1424هـ)، ومع الشيخ الصالح ظافر بن محمد بن هندي الشهري، ثم كان له طلب علم كذلك في المدينة النبوية، وله طلبُ علم بحائل، وكذلك كان لقاؤه بالشيخ ابن سعدي (1307-1376هـ) بعنيزة، وقد تكون الأخيرة فترة قصيرة، -رحم الله الجميع-.
وكانت المصاهرة العلمية قبل المصاهرة القبلية والرحم بينه وبين الشيخ سليمان بن ناصر السلومي –رحمه الله- من أهالي الشنانة بالرس، وذلك حينما قابله أول مرة بمدينة جدة مع ابنه ناصر بن سليمان السلومي –رحمه الله- (1308-1399هـ)، وأُعجب الشيخ السلومي بعلمه وسمته وأخلاقه وحُبِّه للعلم والتعلم، ومحبته للعلماء، فكان الزواج من ابنته هيا بنت سليمان الناصر السلومي –رحمها الله- والتي أنجبت منه ولداً وبنتاً، فأما الولد فقد توفي صغيراً –شفع الله به-.
وأمَّا البنت فهي فاطمة بنت محمد بن عبدالرحمن الشهري توفي والدها ولم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، وهي التي تزوجت من صالح بن سيف الشارخ –رحمه الله- من سكان محافظة الرس، من شوارخ العجمان وكرمائهم، ولها منه مجموعة من الأولاد من البنين والبنات، ولعل الله أراد له دعوات صالحات من أحفاده وحفيداته أو أسباطه، وذلك حينما فَقَدَ شبابه مبكراً -رحمه الله- حيث كان عمره عند وفاته (37) عاماً تقريباً.
وَكَتَبَ عنه صديقه وزميله في طلب العلم الشيخ محمد بن عبدالله بن ناشع الشهري –رحمه الله- (1355-1442هـ) فقال عن صفاته ومكانته العلمية وتمكُّنه من كثير من العلوم الشرعية: «ومن صفاته تعلوه مهابة في وقار، فصيح اللسان، إذا تكلم قوي البيان والبدن والحجة لا تسمع منه لغواً، ولا يقول إلا حقاً، شديد الإنصات للمتكلم، يُسهب إذا تحدث نوعاً ما، يُؤدي مواعظه بأسلوب القصة أحياناً فلا تكاد تُنْسى، إلا ما شاء الله، سمعتُ منه كثيراً، ومن ذلك قصة أبينا إبراهيم والنمرود، وقصة الأخدود وأصحابها، وعبدالله بن الثامر ورحلته، وسلمان الفارسي وإسلامه، وأبرهة وأبابيله حين عَزَمَ على هدم الكعبة في مكه، ومن مشايخه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي –رحمه الله-، فهو شيخ أخينا في الله محمد بن عبدالرحمن الرياعي الشهري، وكان كثيراً ما يُثني على شيخه السعدي ومؤلفاته، ومنها تفسيره للقرآن الكريم وتقريراته الفقهية في دروسه، مشيراً أحياناً إلى رسالته عن يأجوج ومأجوج وما حصل له من جرائها، وقد توفي عام 1376هـ، وذلك بعد شيخه ابن سعدي بـ (130) يوماً».
وهو بهذا يكون زميلاً للشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في تتلمذه على الشيخ ابن سعدي وعلى كُتبه كذلك، لكن لا نعلم عن المدة التي قضاها مع السعدي في التتلمذ على يديه بصورة مباشرة.
كما قال عنه كذلك ابن ناشع واصفاً شيئاً من حياته الشخصية: «والشيخ محمد الرياعي الشهري واعظ محبوب ومرشد سديد وإمام، قارئ مُسترسل، لا ينفك في غالب أوقاته عن تلاوة القرآن غيباً أو نظراً، كثير الذكر يذكر الله على كل أحيانه، وهو خطيب لا يملُّه السامع، حيث كان موظفاً [في الشؤون الدينية] بالجيش السعودي مرشداً ومعلماً، وخطيباً وإماماً، حتى وفاته، كما كان نابه الذكر يألَفُ وَيُؤلَف».
وقال الشيخ ابن ناشع كذلك واصفاً الجانب العبادي لديه: «لقد عشت وإياه شهراً كاملاً في المدينة المنورة قبل أن تُجرى له العملية الجراحية المقررة له في الطائف، حيث استأذن من المستشفى لزيارة المدينة، وكأنها رحلة مُوِّدع، وفي هذه الفترة كنت أشتاق إلى حديثه فيُسهب، وأساله فيُجيب، وأتعلم منه فيعلمني، ويخلوا فيذكر الله ويتهجد كثيراً، ويوقظني قبل الفجر بوقت كاف للصلاة في الحرم، فيصل إلى الروضة قبل الأذان الثاني في كثير الأحيان».
كتب عنه الدكتور زاهر بن عواض الألمعي ذكريات جميلة ومفيدة تكشف عن شخصية الشهري الفريدة وأنه فعلاً يَأْلَف ويُؤْلَف، وكان التعَرف عليه غير مُرتب له، ولهذا جعله الدكتور زاهر من سوانح ذكرياته، وذلك في الكتاب المعني بذكرياته المفيدة، فقال عنه: «خرجتُ للصلاة وأذكر أنها صلاة العصر- في مسجد مستشفى الشميسي ببلدة (حَدَّة) بمنطقة مكة المكرمة، والمسجد واقع بين مباني غُرف المرضى المشار إليه آنفاً، وقد أمَّنا في الصلاة أحد المرضى، فإذا هو شيخ عليه سمات الوقار والتقوى، وبدأ مجموعة من المرضى يسألونه عن بعض أحكام الصلاة وغيرها، فيجيبهم إجابة العالم المتمكن من علمه، وسلَّمتُ عليه وسألتُه عن مسائل في الفقه والتوحيد فأجابني وبرحابة صدر، وسألني بعد ذلك عن اسمي وعن الجهة التي أتيت منها فأخبرته وسُرَّ بذلك، ويبدو أنه كان يعاني مما أعانيه من الغربة والابتعاد عن مجالس العلم والعلماء، وبدأت الصداقة بيني وبينه وزار بعضنا بعضاً ذلك الشيخ هو محمد بن عبدالرحمن الشهري الذي يعمل في القوات المسلحة، وقد طلب العلم وتفقَّه في دين الله.
وقد أصيب بمرض التهابات رئوية أدخل مستشفى (حدة) للمعالجة من هذا المرض، وقد بقى في المستشفى قرابة سنة، وكنت أجلس عنده كثيراً واستفيد من علمه وتجاربه في الحياة، وكان مرحاً حسن الأخلاق فلا يكاد يخلو حديثه من نكتة لطيفة دونما إسفاف في القول أو ثرثرة في الكلام، إنه يُمثِّل الرجل العالم الصالح الذي يُعطي المجالس حقَّها ويُقدِّر للأمور قدرها، وكان رجلاً رقيق القلب سريع التأثر عندما يقرأ القرآن أو تُذكر له أحاديث الجنة والنار، فكانت دموعه تنحدر على وجناته كالخرز، وكأنه يشعر بقرب لقائه لربه، لقد أُجري الكشف الطبي على مجموعة من المرضى وكنت أنا والشيخ محمد بن عبدالرحمن الشهري ضمن هؤلاء الذين أجري عليهم الكشف، واتضح للأطباء بأنه لابد من إرسالنا إلى (مستشفى السداد بالطائف) لإجراء عمليات جراحية، ويلزم لهذه العملية قص بعض الأضلاع كما نص على ذلك التقرير، وقد جرت المخابرة بين مستشفى (حدة) ومستشفى السداد في هذا الأمر، وطلب مستشفى (حده) حجز أسرة لاستقبال المرضى الذين ستجرى لهم هذه العمليات، وقد ذهب الشيخ محمد الشهري مع الفوج الأول إلى الطائف لإجراء العملية وودَّعنا وداعاً حاراً، وكان هو الوداع الأخير، وأجريت له العملية، وتوفي على أثرها في المستشفى العسكري بالطائف في 1376هـ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته». [رحلة ثلاثين عاماً سيرة ذاتية للدكتور زاهر بن عواض الألمعي: ص73-75].
وختاماً فقد قمتُ –بحمد الله- بجمع هذه الكتابات، وتم ترتيبها وفاءً بحق الكاتِبَيْن فيها، فرحم الله المتوفى الشيخ محمد بن ناشع الشهري، وحفظ الله الدكتور زاهر ومتعه بالصحة والعافية، كما أن هذه الكتابة من الوفاء كذلك بحق المكتوب عنه، لا سيما وهو والدٌ من الرضاع لكاتب هذه السطور، ثم إن هذه الكتابة وفاءٌ أكثر بحق الأخت الفاضلة ابنته فاطمة بنت محمد بن عبدالرحمن الشهري، التي هي ثمرة من ثمرات دعوات والدها الصالحة إن شاء الله، وهي بركة من بركات والدتها كذلك، فرحم الله الجميع من هؤلاء الموتى وأسكنهم فسيح جناته، وزاد الله ابنتهم (فاطمة) توفيقاً وسداداً في أعمالها الصالحة، ومتَّعها بالصحة والعافية، وأكرمها بالبركة والصلاح في أولادها من بنين وبنات، اللهم آمين.
وأصل معظم هذه الكتابات المنقولة كانت من كتاب “سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي – الشخصية والرسالة”.
لا توجد تعليقات