ما هو القطاع الثالث
ما هو القطاع الثالث؟
(نجاحات وتحولات وتطلعات)
القطاع الثالث (3rdsector) يُطلق على جميع المنظمات والمؤسسات والجمعيات والأنشطة الأهلية والخيرية والمدنية والحقوقية والنقابية غير الحكومية وغير الربحية([1])، فهو تصنيف إداري مُضاف أو رديف للاسم الأساسي، وليس اسم موضوعي.
والقطاع الثالث هو: الموصوف بأكثر من تسمية كالقطاع المستقل (Independent Sector)، أو القطاع غير الحكومي (N.G.O’s)، أو المنظمات غير الربحية (N.P.O)، أو العمل التطوعي (Voluntary work)، أو العمل الخيري والأهلي (Philanthropy and civil)، أو مؤسسات المجتمع المدني (Institutions of civil society)، وكلها مسميات متنوعة حسب تصنيفات الدول لموصوف واحد هو القطاع الثالث، وقد لا توجد إدارة لهذا القطاع بهذا الاسم لدى الدول التي تعمل بمفهومه، لكن توجد مؤسسات وجمعيات ومنظمات بمفهوم القطاع المستقل عن القطاعين الأول والثاني (الحكومي والتجاري).
ويقول كريستوفر جن في كتابه (تطوير القطاع الثالث- تنظيم السوق): «القطاع الثالث هو الذي لا يعتبر رأسمالياً ولا عاماً، هو العنصر الثالث في الاقتصاد المشترك للولايات المتحدة، إنه يتكون من المؤسسات الخاصة بالدرجة الأولى التي تعمل في الميدان الاقتصادي والتي توجد من أجل توفير سلع وخدمات معينة إلى أعضائها وجمهورها، هذه المؤسسات لا تعمل من أجل إثراء (مالكيها) ولا لتوفير دخل عالٍ لكبار المدراء، إذ يُستخدم بعضها لحماية مصالح الأعضاء المحصنة، ويُستخدم بعضها الآخر لتحقيق نفع اجتماعي»([2]).
والقطاع الثالث يُعدُّ مكمِّلا لمهام ومسؤوليات القطاع العام الحكومي (الأول)، ومتكاملاً مع القطاع الخاص الربحي (الثاني) في جميع عمليات التنمية والتنمية المستدامة خاصة في المجتمعات والدول المتقدمة في العصور المتأخرة، والترتيب في القطاعات الثلاثة قائم على حجم الموارد البشرية والمالية وآثارها الفاعلة لكل قطاع، كما أن تسمية القطاع الثالث وفلسفته نشأت متأخرةً تاريخياً في معظم دول الغرب، وذلك بعد القطاعين الأول والثاني، وقد بدأ يتشكَّل هذا القطاع بقوة إدارية (اقتصادية) واعتبارية في الغرب مع بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وهناك بعض النظريات الإدارية -وهي نظريات غير علمية وغير مشهورة- تجعل من حجم الموارد البشرية والمالية في أي قطاع من القطاعات الثلاثة عاملاً أساسياً في عملية ترتيب القطاعات، فقد يكون القطاع الثالث يأتي في المرتبة الأولى أو الثانية.. وهكذا حسب حجم الموارد البشرية والمالية لأي قطاع من القطاعات الثلاثة، إلا أن مصطلح القطاع الثالث غير الحكومي وغير الربحي هو الشائع والمشهور، حيث ارتبطت تسميته بالثالث أكثر من النظريات التي تربط الترتيب بحجم الموارد البشرية والمالية.
والقطاع الثالث يُعتبر من أبرز عوامل نجاح الإدارة الحديثة للدول واستقراراها الأمني والسياسي، بحكم ما يوفِّره من الشراكة والمسؤولية المجتمعية مع الحكومة، وباعتبار ما يقدمه من خدمات إنسانية وعدالة اجتماعية وتنمية مستدامة. ويُعدُّ النموذج الأمريكي من النماذج القوية والواضحة في أدوار هذا القطاع الفاعلة، بل يُعدُّ من النجاح المشهود للديمقراطية الأمريكية والاستقرار السياسي للدولة، وذلك بحكم حجمه الضخم ودوره التنموي الاقتصادي، وأرقامه المالية الكبيرة المنافسة للحجم المالي للقطاع التجاري([3])، وهذا القطاع الثالث يُعدُّ من عوامل القوة للدولة بأذرعته الخارجية، حيث الشراكة العملية بين الحكومة والقطاع الثالث في تحقيق التعاون والتكامل بينهما في كثير من القضايا الدولية، وهو الوعاء الحقيقي أو المُخرج الرئيس لاستيعاب مخرجات القطاع الثاني التجاري بمؤسساته المانحة وتبرعاته([4]).
وتعدُّ الإدارة الحديثة للدولة في دول الشمال بتطبيقاتها لمفاهيم وفلسفة القطاع الثالث من أبرز عوامل نجاحها الإداري الباهر، حيث أنه يحقق لتلك الدول الريادة والسيادة من خلال مؤسساتها ومنظماتها الداخلية والخارجية، وكما أن هذا الاسم يطلق على جميع البرامج والأعمال والجمعيات والمؤسسات غير الحكومية وغير الربحية في دول العالم، فهو ينطبق كذلك على جميع الوكالات والمنظمات المنبثقة من هيئة الأمم المتحدة.
والقطاع الثالث –عالمياً- بكافة أنشطته الاجتماعية والحقوقية والإغاثية والثقافية حسب إيديولوجيات الأمم والدول، وبأذرعته الخارجية يُعدُّ قوة سياسية وسيادية للدول، يتم استثماره في تحريك ودعم توجُّهات الدول وقراراتها وسياساتها الخارجية داخل حدودها الجغرافية وخارجها، وقد أصبح القطاع الثالث بأذرعته الخارجية صاحب دور عالمي في ظل النظام العالمي الجديد والقوانين والأعراف الدولية والأدبيات الدبلوماسية. كما أن هذا القطاع الدولي بأهدافه الإنسانية ليس بريئاً في معظم أحواله من الأدلجة وتحقيق سياسات الدول المانحة للمساعدات في دعم مصالحها الخاصة أو مصالح المنظومة الدولية ذات الهيمنة السياسية أو الاقتصادية أو كليهما.
ومنظمات القطاع الثالث المحلية والدولية –باستقلاليتها الإدارية وقوَّتها- تشكِّل دعماً معنوياً ومادياً لحكوماتها ودولها، ومن صور الدعم توظيف الطاقات البشرية العاملة بأمن وظيفي من خلال العمل في الجامعات والمستشفيات والمدارس غير الحكومية (N.G.O’s) وغير الربحية (N.P.O) كما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوظف أكثر من إحدى عشر مليون موظف –وذلك على سبيل المثال- كما أن هذا القطاع يعمل على استثمار المهارات والخبرات التطوعية، وهو بهذا وذاك يعزز العلاقة والثقة بين الحكومات وشعوبها، وكثيراً ما كانت مؤسسات الرقابة الإدارية والمالية والمؤسسات الحقوقية التابعة لهذا القطاع الثالث المحلي عامل نزاهة وشفافية للقطاع الحكومي والقطاع التجاري بالرقابة عليهما في معظم الدول المتقدمة.
وللمنظمات العالمية الأممية المصنفة بأنها قطاع ثالث قوتها التي تستمدها من الدول الكبرى وتمارس بها أدوارها العالمية في الساحات الدولية، ومن الكُتَّاب المفكرين من كَتَبَ عن هذه القوة القائمة والصاعدة لهذه لمنظمات فقال: «فالمؤسسات التي تقام من أجل إشاعة الخير لكل الناس: السلام، النمو، القضاء على الجوع، التوعية بالصحة، الدفاع عن البيئة، لا تجرؤ أي دولة أن تكون خارجها. فعدم الاشتراك في هذه المصطلحات قد يصمها ويضعها خارج بوابات المجتمع الدولي المتحضر»([5]).
ويقول حول امكانياتها البشرية والمالية في الحاضر والمستقبل: «فالحاجة لرعاية مجموعات من العاملين لأهداف خيرية حول العالم يتطلب ألوفاً من المتخصصين، والبلايين من الدولارات التي يمكن أن يمولها فقط من لهم مصالح في الحكومة وخارجها، تتوافق مع مصالح بعض المنظمات المدنية»([6]).
«ففي عصر القوة من النوع الثالث تجد هذه المنظمات مكانها المناسب تماماً… فبعد أن كانت هامشية في النظام السياسي الدولي بدأت المنظمات المدنية في الظهور كلاعب أساس يتمتع بقوة مالية ومعلوماتية وسياسية هامة»([7])، ويُنتَظَرُ لمؤسسات القطاع الثالث العالمية الكبرى مع الشركات العالمية عابرة الحدود أن تقود كثير من السياسات الدولية وتُوجِّهها بشكل أكبر بديلاً عن الحكومات لتتجاوز عنصر المساندة والدعم مع الحكومات إلى الدور الريادي والقيادي في التقنية والغذاء والدواء كما هي مؤسسة (بيل غيتس الخيرية) على سبيل المثال!([8]).
– القطاع الحضاري في التاريخ الإسلامي:
في ظل النجاح الإداري الباهر للقطاع الثالث خاصةً في الغرب في العصر الحاضر، يرد التساؤل، هل وُجد في التاريخ الإسلامي السابق أو المعاصر قطاع ثالث؟
وللإجابة على هذا التساؤل، فإن المقارنة بين القطاع الثالث الغربي المعاصر وبين القطاع الخيري في الإسلام مما يُثري الكتابة عن هذا القطاع.
فالقطاع الخيري الإسلامي يقوم على تشريعات واسعة من القرآن والسنة، وهو عقيدة وعبادة عند المسلمين، ولذلك فهو قطاع منافس للقطاع الغربي -تاريخياً- من حيث حجم التشريعات والأهداف والدوافع والموارد والمخرجات الحضارية عبر التاريخ إلى حدٍ كبير، حيث الأوقاف لدى المسلمين كانت مصدر حضارتهم الإشعاعية دون ثمن مادي، وقد استفاد الغرب بحضارته المادية وقطاعه الثالث من المسلمين عند الاحتكاك بهم في الحروب الصليبية وصقلية والأندلس وغيرها، خاصةً ما يتعلق بالوقف ومفاهيمه.
وعنصر المنافسة بين القطاع الخيري في الإسلام والقطاع الثالث الحديث وُجد عملياً عبر التاريخ حينما كان الخيري متمتعاً بكامل حقوقه المعنوية والمادية من استقلاليته عن القطاع الحكومي، وبمنحه كامل الموارد المالية الواردة في التشريع الإسلامي، وقد كان القطاع الوقفي والخيري عبر تاريخ الأمة الإسلامية يشكِّل القطاع الأول -ولو لم تكن تسميته بهذا- حسب الحجم الكبير لموارده البشرية (التطوع) وموارده المالية (الأوقاف والتبرعات والزكاة) التي فاقت في أحيان كثيرة الموارد المالية لبيت مال المسلمين، كما أنها فاقت في حالات كثيرة حجم الموارد التجارية في عصور مضت من التاريخ الإسلامي.
وحسبنا أن أوقاف المسلمين ولَّدت حضارة إسلامية عالمية أخلاقية ومادية دون ثمن مادي كما هي الحضارة المعاصرة، فحضارة الأوقاف الإسلامية شهد لها العالم بأبحاثه ودراساته المستقلة والمنصفة، وممن عبَّر عن هذه الحقيقة وكَتَبَ عنها بإنصاف المؤرخ والمستشرق الفرنسي غوستاف لوبون في مواضع متفرقة من كتابه، وذلك قوله: «لم يقتصر شأن العرب على ترقية العلوم بما اكتشفوه، فالعرب قد نَشروها كذلك، بما أقاموا من الجامعات وما ألَّفوا من الكتب، فكان لهم الأثر البالغ في أوربة من هذه الناحية، وسترى في الفصل الذي ندرس فيه هذا التأثير أن العرب وحدهم كانوا أساتذة الأمم النصرانية عدة قرون، وأننا لم نطَّلع على علوم قدماء اليونان والرومان إلا بفضل العرب، وأن التعليم في جامعاتنا لم يستغنِ عما نُقل إلى لغاتنا من مؤلفات العرب إلا في الأزمنة الحاضرة»([9]).
كما قال لوبون بلغة المقارنة بين العرب المسلمين وأوروبا عن الحضارة بشقيها المعنوي والمادي أيضاً: «نُثبِتُ الآن أن تأثير العرب في الغرب عظيم أيضًا، وأن أوربة مدينة للعرب بحضارتها، والحق أن تأثير العرب في الغرب ليس أقلَّ منه في الشرق… ولا يمكن إدراك أهمية شأن العرب في الغرب إلا بتصوُّر حال أوربة حينما أدخلوا الحضارة إليها» ([10]). وغير هذا كثير.
والقطاع الخيري في الإسلام بتشريعاته الكبيرة المتنوعة وبمخرجاته المتعددة -في مجالات التطوع والتبرع والوقف والزكاة والصدقات والكفَّارات- يُعدُّ من أبرز مصادر تعزيز القِيم والأخلاق عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، وتتضح آثار هذه المخرجات من خلال تطبيقات القطاع الخيري التاريخية عبر دول وحكومات الخلافة أو الدول الإسلامية المتعاقبة، فقد كان هذا القطاع من أكبر مصادر تعزيز العلم والمعرفة وإثراء جميع صنوف الحضارة والمدنية –على سبيل المثال-، كما أنه يُعدُّ من التنمية المستدامة في حياة المجتمعات الإسلامية الاجتماعية والثقافية، ولم تكن السلطة الإدارية الحكومية من الخلفاء والولاة والسلاطين معنية بصنوف الحضارة وأوقافها بقدر عنايتها ومسؤوليتها عن الأمن الداخلي والحماية الخارجية للدولة الإسلامية في غالب فترات التاريخ، حيث يتولى هذا القطاع ما عدا ذلك.
كما أن التطبيقات لتشريعات الأوقاف والعطاء الخيري الإسلامي عبر كثير من فترات التاريخ الإسلامي قد جعلت منه قطاعاً أساسياً من قطاعات الدولة حيث فاعليته وقوة تأثيره، وهذا ما شهدت به كتب التاريخ والحضارة الإسلامية حينما كان يتمتع هذا القطاع بكامل حقوقه المشروعة من دعم واستقلالية للأوقاف، وموارد الزكاة، وخُمس الركاز، والكفارات، والتبرعات، والصدقات، إضافة إلى دعم بيت مال المسلمين، وغير ذلك مما ولَّد حضارة شعبية أهلية إشعاعية الرحمة، خلافاً للحضارات الأخرى التي قامت على القهر والسُخرة للبشرية من أباطرتها.
وعن هذا كتب المؤرخ الألماني كارل بروكلمان وتحديداً عن حضارة المسلمين الوقفية وأثرها وفضلها على الحضارة الغربية، وذلك في معرض حديثه عن الأوقاف وآثار تطبيقاتها على الأمة، فقال: «أما في حقول الثقافة الأخرى فقد أنتج السوريون والمصريون إنتاجا خصباً جداً في عهد المماليك، كان لنا (يعني الأوروبيين) فيه ثمرات يانعات، وبخاصة في حقل التاريخ.. هذا الإنتاج [العلمي] الواسع العريض في عصر المماليك كان يجد سنده الاقتصادي في نظام الأوقاف الذي أنشئ في عهد العباسيين، والذي انتهى في مصر وسورية إلى غاية من الغنى تكاد تكون خيالية، ذلك بأن كبار المثرين السوريين والمصريين، كانوا كزملائهم العراقيين من قبل، يقفون [يوقفون] ممتلكاتهم الضخمة على وجوه البر وخدمة العلم، صيانة لها من المصادرة»([11]).
وكانت صور الأوقاف الإسلامية المتنوعة باستقلاليتها المتمثلة بإشراف القضاء عليها قوة مؤثِّرة عبر التاريخ الإسلامي مما أكسبها مكانة إدارية مستقلة مثمرة، وبالتالي اكتسبت التعاطف والتفاعل وعطاء الأمَّة حتى تنافس الخلفاء والأمراء بالإقطاع الخيري (الأوقاف)، وتعدُّ تركيا والحجاز والشام والعراق ومصر والجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية مضرب الأمثال في حجم الأوقاف وتنوعها، بل وتمويل ودعم معظم احتياجات المجتمع والدولة، حتى في مجالات الجهاد وحماية الثغور الإسلامية عبر التاريخ([12]).
– تحولات تاريخية وتطلعات مأمولة:
سجَّل التاريخ عن أفول الحضارة الإسلامية وضعف منتجاتها قبل أكثر من قرنين من الزمان، وذلك حينما أقدم محمد علي باشا بمصر عام1224هـ على تأميم الأوقاف تحت مسميات التنظيم والحماية للأوقاف على حد زعمه، وقد اعترض علماء مصر والأزهر على هذا الإجراء الذي أفقد القطاع الخيري الوقفي في مصر دوره التنموي في مجالات الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية، وقد انتصر مشروع محمد علي باشا حينما أنشأ لهذه الأوقاف وزارة حكومية معنية في مصر استجابة لمشورة المستشارين الفرنسيين وعلى رأسهم سيمون، وقد انتقلت فكرة الوزارات الوقفية إلى دول العالم العربي والإسلامي لتنتهي أو تضعف فعالية الأوقاف ودورها التنموي والحضاري العام.
وكتب الدكتور محمد عمارة عن هذا التحول قائلاً: «فبعد أن كان علماء الشرع، ومعهم قادة تنظيمات وروابط ونقابات الحرف والصناعات، هم ممثلي الأمة وأولي أمرها، شرع محمد علي في إحلال الدولة (الحكومة) محل هذه القيادات.. وكان العدوان على الأوقاف -المؤسسة التمويلية الأم لقوة الأمة واستقلال قادتها- السبيل الذي بدأ به محمد علي لإحداث هذا الانقلاب»([13]).
والقطاع الثالث بمشروعه المأمول يُعدُّ مشروع نهضةٍ وإصلاحٍ للعالم العربي في العصر الحاضر، لا سيما بعد غياب طويل لدور الأمة الإسلامية في إدارة أوقافها وتنميتها، فهو حق من حقوق الأمة والشعوب الإسلامية على حكوماتها، وهو استحقاق إنساني وإسلامي في الوقت ذاته، وهذا ما يتطلب إرادة سياسية جادة لميلاد هذا القطاع وتطبيعه على جميع المستويات الأهلية والرسمية، لأنه قطاعٌ كفيلٌ بإصلاح معظم جوانب الواقع السياسي والاقتصادي والعلمي والمعرفي والاجتماعي لشعوب العالم العربي، حيث أن وجود هذا القطاع عامل مساعد في معالجة الاحتقان بين الحكومات وشعوبها الناتج عن غياب الشراكة السياسية الفاعلة تجاه قضاياه المصيرية، لا سيما مع واقع معظم الدول العربية بنظامها السياسي الشمولي والنظام الإداري التقليدي، فالقطاع مما يجسِّر الشراكة في المسؤولية المجتمعية بين الشعوب وحكوماتها، لأنه قطاع مُسهم في التنمية والحريات والحقوق والشفافية والمحاسبة.
والقطاع الثالث المأمول بقوته وفاعليته عامل مساعد على تخفيف الضغوط السياسية الداخلية والخارجية عن دول العالم الثالث كما يُسمى، وهو بالتالي مما يُسهم في دعم استقرار هذه الدول وأمنها، فالعمل الإغاثي والخيري الخارجي سفارات لدولها لا يمكن تعطيله أو إجهاضه داخل دهاليز السياسة ومساراتها المعقدة، وهو في أصل وظيفته جسر بين الدول لا يتأثر بما يحدث للعمل السياسي والدبلوماسي من تعثر وانقطاع، ومع ذلك فإن الخطوة الأولى والأهم -خاصة في العالم العربي- تكمن في إنشاء هيئات عُليا مستقلة أو مفوضيات مُنظِّمةً للمؤسسات المتنوعة والأعمال التطوعية المُتعددة كقطاع ثالث تنموي مستقل عن القطاع الحكومي وعن الأحزاب السياسية، وهو بهذه الاستقلالية والتنوع يُحقق للدول الغُنم، وعلى القطاع الغُرم -إن وُجد-، وهو فوق ذلك للدول العربية والإسلامية قوة إدارية ووقاية وعلاج -إلى حدٍّ كبير- من أزماته الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فالأخذ بنُظم وهيكلة الدولة الحديثة القائمة على قطاعات ثلاثة يعتبر من النجاح الإداري لأية دولة، كما أنه في مجمل مدخلاته ومخرجاته من متطلبات تطبيق الشريعة الإسلامية لأي دولة إسلامية، وهو مما تتكامل فيه المصالح والحقوق بين الشريعة الإسلامية والإدارة الحديثة دون تعارض في مجمله، وهو التطلع والمأمول.
– سمات القطاع الثالث ومحدداته العلمية:
عَمِل مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية -وهو متخصص في ذلك- على دراسات علمية وأبحاث متعددة من نتائجها استخلاص أبرز السمات الإدارية والمحددات العلمية والمعايير الإدارية؛ للإسهام بالحكم على وجود القطاع الثالث من عدمه في أية دولة من دول العالم، -والموضوع يتطلب مزيداً من الدراسات والأبحاث في هذا الشأن- ومن أبرز هذه السمات والمحددات التالي:
- أن يكون قطاعاً من حيث القوة والشمول والعدد (مفوضية أو هيئة عُليا بجمعية عمومية أهلية من المانحين والموقِفِين).
- أن يكون مستقلاً عن القطاع الحكومي والأحزاب السياسية مرتبط بدستور الدولة وأساسها الديني أو المدني الذي قامت عليه الدولة -أية دولة-.
- أن يكون قطاعاً ثالثاً كموقع إداري للقطاع، وشريك للقطاعين العام والخاص (مستشفيات، جامعات.. الخ) في جميع عمليات التنمية.
- أن يتمتع بجميع حقوقه المادية من الأوقاف والهبات والزكاة وفعاليات التبرعات والضرائب باختلاف بين الدول.
- أن تكون خدمات هذا القطاع مجانية أو غير ربحية حسب نوع النشاط وقيمته.
([1]) هذا التعريف عن القطاع الثالث هو من التعريفات الصادرة من المشرف العام على مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية، وهو مدوَّن ضمن الدراسات والبحوث الصادرة عن المركز، وهو من إعداد الدكتور محمد بن عبدالله السلومي.
([2]) انظر: كريستوفر جن CHRISTOPHER GUNN كتاب (THIRD-SECTOR DEVELOPMENT- MAKING UP FOR THE MARKET) ص1.
([3]) انظر عن حجم هذا القطاع التقارير السنوية giving USA الصادرة من جامعة Indiana university (the annual report on philanthropy).
([4]) انظر عن الحجم الكبير للقطاع الثالث في الولايات المتحدة الأمريكية محمد السلومي (القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب) على الرابط التالي: http://soo.gd/FXCd، وكتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة) على الرابط التالي: http://soo.gd/L5aj.
([5]) هشام ناظر، القوة من النوع الثالث، ص129.
([6]) هشام ناظر، القوة من النوع الثالث، ص131.
([7]) هشام ناظر، القوة من النوع الثالث، ص131.
([8]) من الأمثلة دخول هذه المؤسسة المُريب في اقتصاد وتجارة وأبحاث كوفيد 19 كأنموذج، وهو ما يُلطِّخ السمعة لها.
([9]) انظر: غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص453.
([10]) انظر: غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص586.
([11]) انظر: كارل بروكلمان (تاريخ الشعوب الإسلامية) ص 369-371.
([12]) انظر عن المقارنة في نجاحات القطاع الخيري الإسلامي والقطاع الثالث الغربي كتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة) على الرابط التالي: http://soo.gd/L5aj
([13]) انظر محمد عمارة (دور الوقف في النمو الاجتماعي وتلبية حاجات الأمة)، بحث مقدم في ندوة: نحو دور تنموي للوقف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت ص 168-169.
إعداد
د/ محمد بن عبدالله السلومي
المشرف العام على مركز القطاع الثالث
للاستشارات والدراسات الاجتماعية
القائمة البريدية
تصميم وتطوير SM4IT