كتاب الأسبوع: ((المجتمع السعودي والتغيير “تعليم البنات- حالة دراسية”))
المصدر: موقع الدرر السنية، الرابط التالي: http://dorar.net/article/1926
التعريف بموضوع الكتاب:
الحديثُ عن التَّغييرِ في المُجتمَع السعوديِّ يستمِدُّ أهميَّتَه مِن خُصوصيَّةِ هذا المُجتمَع الذي هو بطبيعتِه وعُمومِه مُجتمَعٌ محافِظٌ يدفَعُه الدِّينُ، ويَجمَحُه الدِّينُ ذاتُه، وتحرِّكُه فتاواه وتُسكِّنُه، وتضبِطُ أحكامَه وقِيَمه، بل تُطلِقُه تَشريعاتُ دينِه وتُقيِّدُه، وأيضًا تنبُعُ خصوصيَّتُه مِن خلالِ عاداتِه وتقاليدِه وأعرافِه المُتمَسَّكِ بها، والتي تجعَلُ التوجُّهَ للتغيُّر وسلوك طريقِه موضوعًا جديرًا بالاهتمامِ والدِّراسةِ.
لهذا كان هذا الكتابُ عن هذا المُجتمَع والتَّغيير، وقد أخذ المؤلِّفُ حالةً مِن الحالات التي دخلَها التغييرُ، وهي حالةُ تعليمِ البناتِ؛ لِما صاحَبَها مِن مخاضٍ عسيرٍ، وبعضِ المُمانعة والرَّفض، الذي لم يكُنْ في مُعظَمِه لأصلِ فِكرةِ تعليمِ البنات، وإنَّما كان حولَ وسائلِ هذا التَّعليمِ، التي يجبُ أن تُوفِّرَ حمايةً للأعراضِ والفضيلةِ، والمُحافظة على القِيَم للمُجتمَع.
بدأ الكتابُ بمقَدِّمة بيَّنَ فيها المؤلِّفُ أنَّ الأيديولوجيا- وهي مجموعةُ القِيَم والأخلاقِ والأهدافِ- التي تُحَرِّكُ عمومَ المجتمَعِ السعوديِّ وتُسكِّنُه، هي عقيدتُه القائمةُ على المنهجِ الصَّحيحِ في الاستدلالِ مِن الكتابِ والسُّنَّة، وهو ما يُسمَّى بـ (المنهج السَّلَفي).
يُعَدُّ المنهجُ السَّلفيُّ أكبرَ مِن الأشخاصِ والجَماعات السَّلَفيَّة والمؤسَّسات الدينيَّة وغيرها، والتزامُ المُجتمَع السعوديُّ بهذا المنهجِ جعلَه يُصنَّفُ- عالَميًّا- مُجتمعًا مُحافِظًا يصعُبُ توجيهُه أو تغييرُ قناعاتِه الثَّقافية إلَّا من خلالِ الدِّين والعُلَماء وفتاواهم؛ فالتغييرُ من خلال العُلَماء وبتشريعاتِ الإسلامِ، مَوضِعُ قَبولٍ وثِقةٍ واطمئنانٍ.
والمقصودُ بالتَّغيير هنا في هذا الكتابِ بعيدًا عن جدَليَّة المصطلَح، وهل هو من الأسوأ إلى الأحسَن أو العكس- لا يعدو أن يكونَ عن إحداثِ شَيءٍ لم يكُنْ قَبلَه، وانتقالِ الشَّيءِ من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى من التحَوُّل والتبَدُّل؛ فالتَّبايُنُ في المعنى عن التَّغييرِ ينطَلقُ من المقصودِ به؛ فالتغييرُ إلى حدٍّ كبيرٍ وسيلةٌ، وليس هدفًا بحدِّ ذاتِه، والتغييرُ المعنيُّ به هنا -كأُنموذج- هو التغييرُ بالإسلامِ، وليس في الإسلام؛ فهو تغييرٌ بالإسلامِ بمَنهجه السَّلفي وبضَوابطِه الشَّرعيَّة، حيث هو المنهجُ السَّائدُ، وهو تغييرٌ تمَّ مِن خلال (تجربة عمَليَّة) أثبَتَت أنَّ التَّغييرَ في هُويَّة المُجتمَع السعوديِّ وثقافتِه بهذا المنهج هو المُمكِن في المجتمع؛ حيث تَلازَمَ النَّجاحُ مع هذا التغيير، لا سيما أنَّ القوَّةَ الشَّرعيَّة والإرادة السياسيَّة صَحِبت ذلك، وبالمُقابل فإنَّ نجاح هذا التَّغيير يُثبِت أنَّ التغييرَ في الإسلام غيرُ مُمكِن، بل إنَّ محاولاتِ التغييرِ لبِنْية المجتمَع السعوديِّ بأيديولوجيَّات وأفكار أخرى تتعارضُ مع قِيَم المُجتمَع وثقافتِه السَّائدة- صَحِبَها الفشَلُ إلى حدٍّ كبيرٍ.
ثمَّ تحدَّث في المقدِّمة أيضًا عن التغييرِ الكبيرِ الذي نتج عن تعليمِ البنات؛ حيث نقل حوالَي نصفِ المجتَمَع من الأميَّة إلى العلمِ والمعرفةِ إلى حدٍّ لافتٍ لنَظرِ أيِّ مُراقبٍ؛ ممَّا يُغني عن تفاصيلِ الإحصائيَّات وأرقامِها الكبيرة والمتنوِّعة؛ فهو تغييرٌ نقلَ المرأةَ مِن التعلُّم إلى التَّعليم، ومن التلقِّي إلى العطاء، ومِن عمَلِ البيت إلى العمَل التَّعليمي خارِجَه أو معه، بل إلى الشَّراكة في كثيرٍ مِن مَسؤوليَّات المجتمع والدولة؛ ممَّا انعكس على جوانبَ كثيرةٍ في التَّطوير والإصلاحِ الأُسَريِّ والاجتماعيِّ والثَّقافيِّ إلى حدٍّ كبيرٍ.
وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى قسمين رئيسَين:
القسم الأول: عن المنهج السَّلَفي والتَّغيير.
وتحته تطرَّق لمواضيعَ عِدَّة في سبعةَ عشرَ عنوانًا؛ فتَحْتَ عُنوان (المنهج السَّلفي والتغيير) الذي كان أوَّل مواضيع هذا القِسم، شرحَ المؤلِّفُ المقصودَ بالمنهجِ السَّلَفي، وبيَّنَ أنَّه: تفسيرُ النُّصوصِ وفَهمُها وَفقَ المنهجِ؛ منهجِ الاستدلالِ القائمِ على الكتابِ والسُّنَّة، ومن ذلك تقديمُ النَّقل على العقلِ وَفقَ منهجِ سَلَف الأمة؛ فالمنهجُ السَّلَفي هو منهجُ أهلِ السُّنَّة والجماعة في العقيدةِ والعبادة، وهو ليس حَكْرًا على بلدانٍ ولا أشخاصٍ ولا فِرَق ولا أحزاب، وبيَّنَ أنَّ القُصورَ الموجودَ لدى بعض أتباعِ هذا المنهجِ لا يعني قصورًا في المنهج.
وأوضَحَ أنَّ مِن المهِمِّ التنبيهَ إلى أنَّ المستجَدَّاتِ العالميَّةَ والتحَوُّلاتِ الثَّقافيةَ لا تبرر استحداث منهجٍ قاصرٍ أو مُشَوَّه يتنكَّرُ لمنهجِ السَّلَف مِن خُصومِه أو المُنتَسبين إليه على حَدٍّ سواءٍ، وتحت أيِّ مُسمًّى كان.
وبيَّن أنَّ المنهجَ السَّلفيَّ خيرُ تعبيرٍ عن وسَطيَّة الإسلامِ وقُدرتِه على التَّوفيقِ بين الإيمانِ والانفتاحِ المشروعِ.
ثم عقد موضوعًا عنوَنَهُ بـ “السَّلفيَّة والمنهج (جدلية المُصطلح)” واستشهد في بدايته بكلامٍ للمفكِّر الفرنسي: شارل سان برو في كتابه ((مستقبل السَّلفية بين الثورة والتغريب)) ليُدلِّلَ على مفهومِ السَّلَفية كما ينبغي أن تُفهَم، وليوضِّحَ أنَّ هذا المنهجَ لا يمكِنُ حَصرُه في دولةٍ مُعَيَّنة ولا في مؤسَّساتها الدينيَّة، ولا علمائها.
ثم تتابعت العناوينُ الثَّرية بما تحتها من نصوصٍ، ومِن أبرزِها:
– السَّلفيَّة بين الخلاصِ والتجديد.
– المنهج السَّلفي والإصلاح.
– السَّلفيَّة ومُقاومة التغريب.
– السَّلفيَّة والانفتاح.
– السَّلفيَّة من المحليَّة إلى العالمية.
– المنهج السَّلَفي والحوار.
– المنهج السَّلَفي وحقوق المرأة.
– السَّلفيَّة منهجٌ أم بيانُ حَرب؟
القسم الثاني: عن تعليم البنات (حالة دراسية).
وكما هو الحالُ في القِسمِ الأوَّل، ضمَّ هذا القِسمُ عددًا من العناوين، فتحْتَ عنوان (تعليم البنات أُنموذج في التغيير) بيَّن المؤلِّفُ أنَّ تعليم البنات يُعدُّ من أقوى عمليَّات التغييرِ الثقافيِّ والاجتماعيِّ للمجتمع السعودي
لا سيَّما مع انعدام وجودِه السابق تقريبًا، وكذلك مع تخوُّف المجتمع المُحافِظ والعُلَماء والدُّعاة من هذا الوافدِ الجديدِ عند بدايته، وكشَفَ عن بدايةِ هذا التغييرِ النَّاجح، وكيف انبثَقَت أوَّلُ نواةٍ، والتي منها نشأ ما نراه اليومَ مِن نهضةٍ علميَّةٍ نِسْويَّة كبيرةٍ.
وكان العنوان الثاني (هل التجربة مُنجَز حضاري؟) والذي من خلاله أبرز المؤلِّفُ حقيقةً مُفادُها أنَّ التجربةَ السعوديَّة في تعليم البنات- سواء من حيث كونُه تعليمًا غيرَ مُختلِط، أو بتركيزِه على جوانِبَ تخصُّ النِّساءَ فقط، وتُفيدُهنَّ في حياتِهنَّ المُستقبليَّة- هي حصيلةُ ما توصَّلَت له الحضارةُ الغربيَّة من خلال تجاربِها مع التعليمِ المُختَلِط وما نتج عنه من كوارثَ وسلبيَّاتٍ أخلاقيَّة وتربويَّة، واستشهد بنُقولات ودراساتٍ غربيَّة تؤكِّدُ ما أراد قولَه.
العنوان الثالث: (القرار التاريخي) وفيه تناوَلَ القرارَ المَلَكي الذي صدر بتوقيعِ المَلِك سعود رَحِمه الله، والذي كان بدايةَ السَّماح بفتحِ مدارسَ للبنات، يتعلَّمن فيها العلوم الدينيَّة، كإدارة المنزل، وتربية الأولاد وتأديبِهم، ممَّا لا يُخشى فيه- عاجلًا أو آجلًا- أيُّ تغييرٍ في المُعتَقدات، وكان تحت إشرافِ لجنةٍ مِن هيئة كبار العُلَماء- كما نصَّ القرارُ- هي مَن تُنَظِّم المدارِسَ وتضَعُ برامجَها.
وأوضحَ المؤلِّفُ أنَّه برغم صدورِ القرارِ المَلَكي- الذي أكَّدَ دورَ الدِّين والعُلَماء، والضَّوابط الشرعيَّة في هذا النَّمَط التغييريِّ، وراعى بِنيةَ المجتَمَع المحافِظ- فإنَّ التوجُّسَ والترقُّبَ مِن المجتمَع المحافِظ بقيَ قائمًا إلى حدٍّ مُعَيَّن، حتى عايش النَّاسُ عَمليًّا تطبيقاتِ الضَّوابطِ الشَّرعية والأخلاقيَّة لهذا النوعِ مِن التعليم الجديد، فتحقَّق الاطمئنانُ بعد ذلك، فكان التفاعلُ الإيجابيُّ من المجتمع.
وتحت عنوان (حجم الممانعة والرفض) تحدَّث عن الأسبابِ التي جعلَت بعض أفراد المجتمَع يتخوَّف من ذلك التغييرِ، فكان المنظارُ الدينيُّ لبعض الجوانب، بالإضافة إلى عدمِ وجودِ تجربةٍ مُطَمْئِنة معروفة- من أهمِّ الأمورِ التي جعَلَت البعضَ يُحجِم عن خوضِ غِمارِ هذا النَّمَطِ من التعليم، قبل أن تتغيَّرَ النَّظرة ويكون للدِّينِ دورُه في قبولِ هذا التَّعليمِ- فيما بعدَ ذلك- بل وتأسيسِه واحتضانِه وتطويرِه والقفزِ به إلى أن أصبح تجربةً عالميَّةً متمَيِّزةً.
وأوضح أنَّ الممانعة أو المعارضة لم تكن عامَّةً ولا شاملة، بل كانت هناك مطالباتٌ مِن بعض أفرادِ المجتمعِ بهذا التعليم، والمعارضةُ إنَّما خرجت من بعضِ طَلَبة العلم، أو بعضِ العوامِّ المتحَمِّسين، ولم تتبَنَّها المؤسَّسةُ الدينيَّة الرسميَّة في المملكة، وعلى رأسِها سماحةُ المفتي، بدليلِ قَبولِه شخصيًّا لرئاستِها والإشرافِ عليها، ولو كان يعارِضُها لرفضَ تولِّيَ الإشراف عليها ابتداءً.
ومن هنا يمكِنُ النظَرُ إلى تلك الاعتراضاتِ التي تمَّت في حينِها على فتحِ مدراسِ البنات، على أنَّها كانت وسيلةً غيرَ مُباشرة لضبط هذا الوافدِ الجديدِ؛ ليتواءمَ مع طبيعةِ المجتمع وثقافتِه، ويتَّفِقَ مع رغبة القُوى المجتمعيَّة والقيادات الشرعيَّة التي كانت تمثِّلُ ثِقلًا في بِنْية المجتمع والدَّولة بشكلٍ عامٍّ.
ثم توالت عناوينُ أخرى تُثري هذا الموضوعَ، وهي كالآتي:
– حجم القَبول.
– إدارة العلماء والتطبيقات.
– أسباب الرفض والقبول.
– الآثار الإيجابية للرفض والممانعة.
وأخيرًا الخاتمة، وفيها أبرزُ النَّتائج والتوصيات التي توصَّل لها الباحث، والتي كان أهمَّها أنَّ تجربةَ (تعليم البنات) الفريدة من نوعِها عالميًّا بجوانبِها وعناصرها المتعدِّدة ذات حجمٍ كبير، وأثر أكبر- تستحِقُّ (الدراسةَ العِلميَّة) عن إيجابياتِها وسلبيَّاتِها، من خلال البحوثِ العِلميَّة العميقةِ والدِّراسات النَّقديَّة، وكذلك برسائلَ عِلميَّة في الدراسات العُليا بعناصر التَّجربة المتعدِّدة، ومنها تعليمُ البنات وتَلازُمُه مع التجديدِ والتَّحديث والإصلاح، وعن المنهجِ السَّلَفي ودورِه في إنجاحِ التَّجربة التعليميَّة غيرِ المُختَلِطة، وعن النَّجاح الإداريِّ في استقلاليَّة تعليم البنات، وعن دورِ الكُلِّيَّات الجامعية وانتشارِها في جميع مناطقِ ومُدُن وضواحي المملكة، وإسهامِها الكبير في الاستقرارِ الاجتماعيِّ والأُسَري، ثم دور الكُلِّيات في توظيف المرأة وتلبيةِ سُوق العمل، لا سيَّما مع شدة الاحتياجِ له، وغير ذلك من المواضيعِ المتعَلِّقة بتعليم البنات في المملكة، ممَّا يستحِقُّ الوقوفَ عنده ودراستَه.
كما يمكن للقارئ الحصول على النسخة الإلكترونية للكتاب على الرابط التالي: http://bit.ly/2djUSVd
لا توجد تعليقات